16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تسعى الحكومة اللبنانية جاهدة للخروج من الورطة التي أوقعت نفسها فيها، وهي تسابق الزمن لإقناع أهالي العسكريين المخطوفين بعدم تصعيد تحركاتهم، بعدما هدد الخاطفون بالبدء بإعدام المختطفين لديهم إذا لم تبدأ الحكومة بالتفاوض الجدي معهم، تزامن هذا التصعيد مع نجاح حزب الله بإنجاز صفقة تبادل مع مسلحي المعارضة السورية، استرد من خلالها أحد عناصره المختطفين لديها، عملية التبادل هذه تمت على مرأى ومسمع من أهالي العسكريين المختطفين الذين يفترشون الأرض أمام السراي الحكومي، يقتاتون من تصريحات السياسيين، ويرتوون من الاتصالات الهاتفية التي تردهم من الجهات الخاطفة.لبنان ليس الدولة الوحيدة في العالم التي تنقصها القدرة والقوة لفرض سلطتها وهيبتها بالشكل المطلوب، فمعظم دول العالم تمر بمراحل تضعف فيها سلطتها جراء أحداث أو ظروف معينة، لكن ما يميّز لبنان عن دول العالم قاطبة، أن السلطة فيه تدرك ضعفها، وتعرف أن هيبتها مهدورة، وأن سيادتها منقوصة بسبب لامبالاة فريق من اللبنانيين بالسلطة القائمة، فيتصرفون على هواهم، ضاربين عرض الحائط كل اعتبار لدولة أو جيش أو سيادة أو هيبة. لكن المفارقة هي أن السلطة اللبنانية رغم إدراكها لضعفها، إلا أن أداءها متفاوت، ففي بعض الأحيان تتصرف بحكمة منطلقة من واقع ضعفها، فتتساهل في تطبيق القانون، وتتجاوز عن بعض المخالفات التي تتم أمام أعين أجهزتها الأمنية، وتغض النظر عن الانتقاص من هيبتها، وفي محطات أخرى تثأر لكرامتها وهيبتها المهدورة وتصر على تطبيق القانون بحذافيره. هذا التناقض في أداء الدولة اللبنانية وضعها في بعض المحطات في مواقف "بايخة"، فانكشف ضعفها، وهزال سلطتها، وقلة حيلتها.أزمة العسكريين اللبنانيين المختطفين لدى الجماعات المسلحة في سوريا مثال واضح على عدم التناسب الذي تمارسه الدولة اللبنانية بين قدرتها على الإنجاز، والأداء الذي تقدمه.الأزمة بدأت -كما يعلم الجميع- حين اعتقل حاجز للجيش اللبناني في منطقة عرسال أحد قيادات المسلحين في المعارضة السورية. كان متوقعاً أن لا يمر التوقيف بسهولة، فالمنطقة التي حصل فيها التوقيف يبعد مسافة بسيطة عن الحدود اللبنانية السورية التي ينتشر فيها المسلحون. ردة فعل زملاء الموقوف كانت الانتشار حول المراكز الأمنية في عرسال وجوارها مطالبين بالإفراج عن زميلهم. السلطة اللبنانية كان موقفها جازماً وحاسماً وواضحاً ونهائياً، ومتأثراً بأغاني وديع الصافي ونصري شمس الدين وزكي ناصيف حول الشهامة والرجولة والكرامة والعنفوان، فرفضت الاستجابة لمطالب المسلحين، واعتبرت الإفراج عن الموقوف مسألة تمس السيادة الوطنية، وأنها لا ولن ترضخ لمطالب الخاطفين. فالكرامة فوق كل اعتبار، و"من يهن يسهل الهوان عليه"، وأن الدنيا ولو "تطربقت" على الأرض فإنها لن تستجيب للإرهابيين، هذا الموقف المتسرع أهمل ميزان القوى، واتُخذ دون تقدير أن عدم الاستجابة لمطالب المسلحين ربما تكون له تبعات أخطر بكثير من القبول بشروطهم، وأن الإفراج عن موقوف ربما يكون ثمناً رخيصاً أمام أثمان أكبر قد تضطر السلطة لدفعها لاحقاً.وبالفعل، ساعات قليلة كانت كافية للمسلحين للسيطرة على مراكز للجيش وقوى الأمن الداخلي وأيضاً مقر البلدية، واعتقال العناصر الأمنية التي كانت في هذه المراكز، القصف العنيف الذي أمطر به الجيش اللبناني المسلحين لم يساعد في الإفراج عن المختطفين، بل أدى لانسحابهم والانتقال ومعهم الجنود المختطفون إلى الجرود الحرجية الوعرة حيث لا يمكن الوصول إليهم، هذا بالطبع عدا الضحايا المدنيين والأضرار التي تسبب بها القصف، وإحراق عدد من مخيمات النازحين السوريين التي تؤوي مئات العوائل النازحة.التهوّر في أداء السلطة اللبنانية لم ينته هنا، فهيئة علماء المسلمين التي تشكل واجهة علمائية لعدد من القوى الإسلامية بادرت من تلقاء نفسها للتوسط مع المسلحين، وأثمرت مساعيها الإفراج عن عدد من المختطفين، لكن الاتهامات والانتقادات التي سيقت للهيئة دفعها للتأني في مساعيها، فطلبت من الحكومة اللبنانية تكليفها رسمياً بالوساطة لإسكات الألسن التي تتهمها بالانحياز إلى جانب الخاطفين، لكن الخلافات داخل الحكومة حالت دون تكليف الهيئة فأوقفت الأخيرة مساعيها. لو تصرفت السلطة اللبنانية منذ البداية بناء على قدرتها وعناصر القوة التي تملكها، وحرصاً على مصلحة مواطنيها، لما حصل ما حصل، ولربما انتهت أزمة العسكريين المختطفين بأقل الأضرار والخسائر، لكنه الكبرياء المزيّف الذي يصر البعض على التمسك به، ولو كان الثمن المقابل أرواح عشرات العسكريين المختطفين، ومعاناة لعوائلهم(!!).