15 سبتمبر 2025
تسجيلدعونا ننتقل من معادلة "خاسر ــ خاسر إلى رابح ـــ رابح".. شعار رفعه الرئيس الإيراني حسن روحاني في أول كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عدة شهور حين تناول الصعوبات التي تواجه بلاده في التعاطي مع الأسرة الدولية، ولاسيَّما فيما يتعلق بملفها النووي. الشعار تحول إلى واقع بعد توصل إيران والدول الست إلى توقيع اتفاقية تقضي برفع جزئي للعقوبات مقابل الحدّ من تخصيب اليورانيوم إلى ما دون 5%. هي فترة ستة أشهر، تختبر الأطراف الموقعة على الاتفاق نوايا إيران بخصوص التزاماتها النووية. إيران تقول: إنها نجحت في نزع اعتراف دولي بحقها في تخصيب اليورانيوم. الدول الكبرى تقول: إنها نجحت في منع إيران من حيازة الأسلحة النووية. الكل خرج رابحاً، على حد وصف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف. إذن، المعادلة نجحت في تحقيق خرق في جدار العلاقات الإيرانية الدولية. في جنيف حضر الجميع، وغابت دول الخليج، علماً أنها أكثر الدول المعنية بالملف النووي الإيراني لاعتبارات جغرافية وتاريخية وسياسية. لم تُدع دول الخليج إلى المباحثات، ولم تطلع على بنود الاتفاق إلا بعد أيام، حين اطلع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس السعوديين على بنوده. وهذا ما يفسر ردود الفعل الحذر الذي أبدتها دول الخليج على الاتفاق. الغريب في الأمر أن دول الخليج التي استندت حصراً للمظلة الأمريكية في حمايتها، وأبرمت تحالفا لعقود مع واشنطن وجدت نفسها مخذولة تماما، حيث تتكشف المعلومات التي تؤكد أن لقاءات أمريكية إيرانية تمتد لما قبل تولي روحاني منصبه، وأن الوساطة التي كانت تجريها عمان بين الأمريكيين والإيرانيين وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا على خط التفاهم بخصوص الملف النووي، وما فعلته كلمة روحاني في الأمم المتحدة انحصرت في إزالة الحاجز النفسي أمام الولايات المتحدة التي اندفعت في تقاربها نحو إيران. بل تقول المعلومات إن الاتفاق كان منجزا ببنوده بين الطرفين، وما حضور الدول الخمس الباقية أثناء المباحثات، ومن ثم التوقيع ليس إلا ديكورا سعت له واشنطن لتظهر أن المفاوضات كانت بين الأسرة الدولية من ناحية وإيران من ناحية أخرى. ما يزيد الأمر غرابة أن ساعات قليلة فقط مضت على الاتفاق، فإذا بالأمم المتحدة تحدد موعد جنيف 2 لحل الأزمة السورية، ربما ثمار الاتفاق نضجت سريعاً.. ماذا عن التداعيات إذن؟ هل نحن أمام خارطة جديدة للمحاور والتحالفات؟ ماذا عن الخليج ودوله، كيف قرأت اتفاق جنيف؟ ماذا عن روحاني ومعادلته الربحية؟ هل يمكن أن تنسحب على العلاقة الإيرانية الخليجية؟ أسئلة كثيرة تتزاحم على طاولة دول الخليج التي يحق لها أن تقلق حول ما إذا كان الاتفاق جاء على حساب مصالحها الخليجية أو أن يكون التفاهم الغربي الإيراني طال ملفات إقليمية مثل البحرين واليمن وسوريا ولبنان والعراق لم تكن دول الخليج لتقبل بها. لنسلم جدلا أن معادلة روحاني نجحت في استمالة الغرب، فهل مفاعيل هذه المعادلة تصلح مع دول الجوار؟ فمن نجح في التفاهم مع الشيطان الأكبر، هل يصعب عليه أن ينجح في الحوار مع إخوته في الدين والجغرافيا والتاريخ، أقصد دول الخليج؟ هل سنشهد التفاتا إيرانيا نحو دول الخليج على قاعدة " رابح- رابح " لا تشعر معه دول الخليج بأنها مهددة في أمنها القومي؟ وحتى إذا لم تكن إيران معنية بالانفتاح على دول الخليج بعد أن هدأ منسوب التوتر مع واشنطن وتمكنت من التقاط أنفاسها المتسارعة، هل دول الخليج قادرة على أن تحول ما يمكن أن يكون خسارة لها إلى نجاح، فتلعب لعبة إيران نفسها؟ هل دول الخليج تملك من القدرة والجرأة على رفع شعار "رابح- رابح" فتلقي الكرة في ملعب طهران لدعوتها إلى تفاهم تحترم كل جهة خصوصية الطرف الآخر، فلا تنغص عليه، ولا تكدر عيشه؟ التريث بانتظار تغير ما في الأفق لم يعد يعمل لصالح أحد إذا ما استمرت دول الخليج بالتفرج على ما قد يفرزه التقارب الغربي الإيراني!