02 نوفمبر 2025
تسجيلالاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية هو حدث المرحلة بل هو الحدث الأهم خلال السنوات القليلة الماضية. ونظرا لأنه كذلك فإن نتائجه وتأثيراته ستمتد لسنوات طويلة. لعل أهم ما في هذا الاتفاق ليس فقط في أنه أعاد انفتاح إيران على المنطقة والعالم وجعل من احتمالات الحروب الإقليمية والدولية في المنطقة شبه معدومة بل في أن الدول الكبرى ولاسيَّما الولايات المتحدة ليس لها صديق دائم ولا عدو دائم بل مصالح دائمة. الاتفاق الإيراني - الغربي أثار استياء وانزعاج أقرب حلفاء واشنطن وهما إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ولم تعر الإدارة الأمريكية اهتماما استثنائيا لهواجسهما على اعتبار أن الاتفاق مصلحة أمريكية ولو كان على حساب بعض المصالح التي يقول بها السعوديون وإسرائيل. كانت أمريكا مستعدة لاستثارة غضب حلفاء عمرهم عقود من أجل مصالح تقتضي الانفتاح على بلد "عدو" مثل إيران. وهذا برأيي أحد أهم الدروس التي يجب أن تستقى من الاتفاق على صعيد العلاقات الدولية والنظريات الإستراتيجية. "النظرة الجامعة" هذه لم تتعلمها قوى إقليمية تنطحت منذ سنوات قليلة للعب أدوار كبيرة إقليميا وصولا إلى الساحة الدولية مثل تركيا. لكن عدم معرفتها وفهمها للحدود الفاصلة والخطوط الحمراء في اللعبة الدولية جعلها تصطدم من وقت لآخر بجدران ارتدت عليها وأسقطتها أرضا فباتت في وضع البلد المعزول كلية عن الجميع وباتت بدلا من أن تكون شريكة في اتخاذ القرارات ورسم خيوط اللعبة، شبه متفرجة بل أحيانا كثيرة ليست على علم بما يجري وراء الكواليس. الاتفاق النووي بين إيران والغرب في جردة حساب تركيا له أكثر من وجه. أولا لا شك أن تركيا مستفيدة من خطوات تقييد إيران بعدم تمكينها من امتلاك أسلحة نووية إذ ستريحها من وجود جار نووي. وهذا سيريح تركيا من كلفة الدخول في سباق تسلح لو أن إيران امتلك هذا السلاح. كما وفر على تركيا الارتماء أكثر في حضن حلف شمال الأطلسي لمواجهة الخطر الإيراني. لكن أهم ما في الاتفاق الإيراني- الغربي بالنسبة لتركيا أنه يساعد، بعد رفع أو تخفيف العقوبات على إيران، على عودة الزخم إلى العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران خصوصا على صعيد الطاقة حيث تمثل إيران مصدرا أساسيا لتلبية حاجات تركيا من النفط والغاز الطبيعي إضافة إلى روسيا. وقد كانت الضغوط الأمريكية تكبل حركة تركيا التجارية مع إيران. والانفتاح الإيراني- الغربي المتبادل سيساهم في خفض سعر النفط وهو ما سينعكس إيجابا في تخفيف الأعباء المالية على تركيا التي تستورد من الخارج معظم حاجاتها من الطاقة. وحكومة رجب طيب أردوغان بدأت تعاني في الأشهر الأخيرة على الصعيد الاقتصادي وتراجع النمو الذي ينتظر أن يستعيد بعض عافيته. أما على الصعيد السياسي فإن استعادة التواصل السياسي بين إيران وتركيا سيكون أكثر سهولة وخارج الانتقادات الغربية. لكن الاتفاق النووي بين إيران والغرب أظهر بضع دلالات ليست في صالح تركيا وصورتها ودورها. من ذلك أن المفاوضات بين إيران والغرب بدأت منذ 8 أشهر وكانت تركيا غائبة عن الصورة حيث لم يشعر الأمريكي أنه بحاجة لدور تركيا في هذه المحادثات ما يعني تراجع الحاجة الأمريكية للدور التركي في ملف كبير مثل البرنامج النووي الإيراني الذي يتعدى كونه مجرد ملف نووي ويتعداه إلى القضايا الإقليمية. وسوف يتيح الاتفاق تعاونا إيرانيا أمريكيا مباشرا أمام في ملفات إقليمية كثيرة ما يقلل أيضاً الحاجة الأمريكية لتركيا في حل بعض هذه الملفات. أي أن الدور التركي لم يعد يشكل ضرورة لإيصال الرسائل الأمريكية أو للاستعانة بها للضغط على إيران في إيران أو في المنطقة. وإذا أجرينا جولة خاطفة على العلاقات الإقليمية نجد أن إيران على صلة بمعظم دول المنطقة، فيما تركيا تذهب إلى مزيد من العزلة بعد توتر العلاقات مع مصر والسعودية ومعظم دول الخليج فضلا عن المحور الذي تنتمي إليه سوريا وهو ما لا يفيد الحركة الأمريكية في المنطقة. في الخلاصة الاتفاق النووي الإيراني- الغربي يظهر حاجة تركيا لمراجعة سياساتها جذريا وليس الاكتفاء بمجرد سياسة ردة الفعل كما تفعل الآن والعجز عن رسم استراتيجيات جديدة بناء للمتغيرات، وليس أن يقول وزير الخارجية أحمد داود أوغلو "إن سياسة تركيا لن تتغير وهي لم ترتكب أخطاء لكي تغيرها". في ظل هذه الغشاوة في البصر في رؤية المتغيرات وفي رؤية تركيا تتراجع إقليميا ودوليا لا يمكن إلا القول إن في ذلك مكابرة وعنادا يسبق حتمية التغيير ودفع ثمن الأخطاء.