18 سبتمبر 2025

تسجيل

بقدر إيمان الإنسان الصحيح يعلو على الشر ويحوّله إلى خير عميم

30 نوفمبر 2013

إن هذا العالم بشقيه الظاهر والباطن، خاضع للإنسان، إن عرف كيف يهتدي إلى مفاتيحه، بفضل إيمانه بنفسه وإرادته في طلب العلم وتحصيله، فالحق تعالى يقول لنا: (وسخر لكم الأنهار)، "إبراهيم: 32"، (الله الذي سخر لكم البحر)، "الجاثية: 12". ليس إذن الكون المادي الذي يحيط بنا عدو لنا، وإن أصابنا من بعض ظواهره كوارث، فحسب الإنسان أن يتأمل ويدرس، ويتعلم، حتى يمكنه أن يتقي هذه المصائب المدلهمة، ثم يحولها إلى خير كثير، والعلم يثبت لنا صحة هذا النظر. قال صاحبي مقاطعا: كيف يحول الإنسان الكوارث إلى خير كثير؟ قلت أسرد لك مثلا من أدب الحرب: فقد كان الضابط والجندي في جيشنا مستهينين، مستخفين بقوة إسرائيل، ولكن بعد قارعة 1967م، تعلم كل من الضابط والجندي، ودرس وتمرس وأصبح لا يستهين بأتفه الأشياء، فكانت حرب الاستنزاف مقدمة وتمهيدا لحرب 1973م، وما أن دقت هذه الحرب طبولها، حتى كانت نوعية الضابط غير ضابط 67، وامتلأ الجيش العربي المصري بنوعية جديدة من جنود المؤهلات العليا والمتوسطة. الكل يعرف – بفضل التوجيه المعنوي – أهداف معركة رد الكرامة، وحطم خط بارليف الأسطوري وعبر الجندي العربي المصري القناة ليرفع علمه على أرضنا المحتلة، وحول هزيمة 67 إلى نصر في 73. وهكذا حول الإنسان الكوارث إلى خير كثير. وهذا يدل على أن الإنسان إذا عرف صلة الشر والخير بنفسه، كما عرف صلته بهذا الكون المسخر له، وأدرك أن عقيدته، ومقدار إيمانه، وهو الذي يحقق له الخير أو يوقعه في الشر، بدت له الحياة جديرة بأن تحيا، وبدت له صعابها ومشاقها، خليقة بأن تحمل لتدرس، ثم لتتقى، ثم لتستحيل مصدراً للنعم، وأخيرا بدت له الحياة ذات معنى وانها ليست عبثا لا طائل تحته، وان معناها هذا خليق بأن ينجينا من شدة الفرح بما تحقق من خير، ومن شدة الجزع لما يصيبنا من ضر: (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)، فهذه التقلبات اختبار مستمر للإنسان، ليسبرغور نفسه، وليقبس قوته وقدرته، ليستخرج من أعماقها مزيدا من خيراتها وفضائلها، التي قد يبقى جاهلا، إياها مغضاً من قدرها، حتى تكشفها له الأحداث، وترسها إياه المحن.