18 سبتمبر 2025
تسجيلإذا كان معيار "الربيع العربي" هو وصول تنظيم "الإخوان المسلمين" إلى السلطة في مصر وتونس والمغرب وليبيا وتصدرهم المشهد السياسي في سوريا فإننا أمام حالة سبقت هذا الربيع بعشر سنوات وهي وصول حزب العدالة والتنمية،"الإخواني"، إلى السلطة في تركيا في نهاية العام 2002. ورغم أن الفارق في عمر التجربة بين تركيا ومصر يقارب العشر سنوات غير أن المؤشرات التي ظهرت حتى الآن من حكم "الإخوان" في مصر برئاسة محمد مرسي تسمح بإجراء مقارنة تعكس التشابه في السلوك والأهداف. جاء حزب العدالة والتنمية محملا بشعارات الديمقراطية وتعزيز الحريات. وقد جدّ بالفعل على هذه الطريق لمدة سنتين عامي 2003 و2004 ما أهّله لبدء مفاوضات العضوية المباشرة لدخول الاتحاد الأوروبي. لكن الأمور وقفت هنا وبدا أن تلك المرحلة القصيرة كانت المعبر لتغييرات كبيرة في النظام السياسي لا تزال تستكمل في اتجاه المزيد من إحكام قبضة الحزب الحاكم على مفاصل الحياة السياسية والمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والتربوية بحيث انقلبت الصورة من وصاية عسكرية- علمانية لدولة عميقة إلى وصاية دينية لدولة عميقة جديدة مع استمرار الذهنية التفردية والإقصائية وهو ما انعكس تقييدا كبيرا للحريات ولاسيَّما الصحفية وعدم التقدم في حل أي مشكلة إتنية أو مذهبية. وفي مصر جاء الرئيس مرسي مع وعود باحترام العملية الديمقراطية والمشاركة. لكنه ما لبث أن أطاح، بحركة انقلابية، بالمجلس العسكري وغلّب التفوق العددي في الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور وشكل حكومة من الإخوان المسلمين فقط وهكذا جمع في يده ويد حزبه كل ما أمكنته قدرته على ذلك ناكثا بكل الوعود السابقة. في تركيا يقدّم اليوم حزب العدالة والتنمية اقتراحا لتعديل الدستور وإقامة نظام رئاسي بحيث تنحصر كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية بما فيها حلّ البرلمان. وهو مشروع يعدّ ليناسب رئيس الحزب رجب طيب أردوغان عندما يترشح لرئاسة الجمهورية عام 2015 واحتمالات فوزه كبيرة جدا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد خمس سنوات أخرى أي يمكن أن نكون أمام زعيم أوحد لتركيا منذ العام 2002 وحتى العام 2025 أي ربع قرن تقريبا. وهي فترة تتعدى كثيرا أحلام الدكتاتوريين حتى في بلدان العالم الثالث. "الإعلان الدستوري" الذي أصدره الرئيس محمد مرسي وحصر في شخصه كل صلاحيات المؤسسات بما فيها القضائية هي نسخة أخرى عن مشروع النظام الرئاسي في تركيا. وكأن أي رئيس "إخواني" لا يستطيع أن يحكم إلا وفق صلاحيات مطلقة وليست المرحلة الديمقراطية أو الشعبية سوى مرحلة عبور لتجديد الاستبداد وتأبيده. وجه آخر للمقارنة المتشابهة وهو حقل السياسة الخارجية. فرغم كل انفتاحات تركيا على جيرانها والعالم العربي والإسلامي فإنها انتهت إلى أن تعلن أن حدودها "أطلسية" ونقطة على السطر. حاسمة بذلك تموضع تركيا كبلد أطلسي ينفّذ بالتالي سياسات غربية في منطقة الشرق الأوسط. وفي مصر ورغم كل الآمال التي علقت على تحوّل في السياسة الخارجية المصرية على الأقل تجاه إسرائيل فقد أعلنت مصر مرسي أنها ملتزمة قولا وفعلا باتفاقية كمب ديفيد ولم تسعف الايديولوجيا الرئيس مرسي ليجد عبارات جديدة في رسالته الشهيرة إلى "الصديق الوفي" شمعون بيريز وسعت مصر خلال حرب غزة الأخيرة إلى التهدئة ك "وسيط" خارج أي خطوة للمبادرة إلى دعم غزة بالسلاح والمتطوعين. إن المقارنة بين الحالتين والتجربتين التركية والمصرية تعكس أن الربيع العربي لم يؤثر على تركيا بل إنه تركيا هي التي أثرت على تجارب الربيع العربي في اتجاه سياسات تحتكر السلطة في الداخل وتنسجم مع التوجهات الغربية في قضايا المنطقة والعالم. وهو ما يتعارض مع روح المجتمعين التركي والمصري. وإذا كان تبرير السياسات التركية الخارجية ممكنا بتراث من التبعية للأطلسي والغرب وحتى إسرائيل، وإن كان من غير المقبول الاستمرار فيها، فإن الأمر غير ذلك في مصر خصوصا أن لمصر تقاليد من النضال ضد المستعمر وضد إسرائيل من أحمد عرابي إلى سعد زغلول إلى جمال عبد الناصر ولاسيَّما أن قضية فلسطين، التي لا تزال تحت الاحتلال، لم تحل بعد وهي جزء من الأمن القومي العربي والمصري وهي بحاجة لكل مساندة من مصر فيما تركيا بعيدة عن القضية الفلسطينية ولا تشكل أي تحدّ لها. لذا ليس غريبا أن ينتفض "الميدان" مجددا في مصر على التسلط والتفرد. وعلى مصر،هنا، أن تعرف أنها غير تركيا وأن مشكلاتها والتهديدات التي تتعرض لها والتحديات التي تواجهها مختلفة كليا عن تركيا وبالتالي على الإخوان المسلمين في مصر ألا يستنسخوا التجربة التركية التي لا تناسب لا تاريخ مصر ولا مستقبلها بل ربما تقع على نقيضها.