18 سبتمبر 2025

تسجيل

الثبات في التربية

30 أكتوبر 2014

قد نظن أن البراءة عند الطفل تكمن في كونه لا يحب ولا يكره، وهو في الحقيقة يحب ويكره، لكنه يكون صادقا في حبه وكرهه، ولذلك يجب ألا نكره كره الأطفال ولا نتضايق منه، لأنه مليء بالصدق والعفوية، والحقيقة إذا أردت أن تتعلم معاني الحياة الحقيقية تعلمها من الأطفال وكي نحافظ على هذه البراءة، فلابد أن نحافظ على الثبات في التعامل مع الأطفال والثبات بمعنى الاتساق والتناسق في التعامل مع الطفل، ولا أعني به العدل بين الأبناء فهذا أمر مفروغ منه. الطفل كالمواطن مع حكومته، على اعتبار الأسرة هي الحكومة التي تقوده، فهو بالتالي يريد ما يريده المواطن ومن حقه أن يعرف الأنظمة والقوانين، وكثير من الآباء والأمهات يترك الأنظمة داخل البيت عائمة وغير مرتبة، وتأتي في كثير من الأحيان انعكاساً لمزاج الأب، وهذا يؤدي إلى الاضطراب عند الأطفال لابد أن يكون النظام في الأسرة قائماً على الثبات والتناسق، عندما أضع أنظمة للطفل يجب أن يعرف ما هو متوقع منه ويعرف ما هو واجب عليه، وأن يعرف ما هو الصواب وما هو الخطأ. يجب أن يعرف الطفل حدود المباح ويميزها عن المحرم، وهذا يعده دينيا عندما يكبر ليكون متقبلا للغة الحرام والحلال كما يجب تدريبه على النظام منذ طفولته، ويجب أن يكون هذا التدريب بلغة يفهمها الأطفال وألا نستخدم لغة الآباء أو لغة البالغين التي تتسم بالقوة والصرامة لا تدرب الأطفال على فعل الواجبات حتى تتطرق إلى محبوباتهم ثم تُدخل الواجبات من خلالها، بما في ذلك الصلوات وبقية العبادات، مثال ذلك أن تضع النظام للطفل بطريقة محبوبة فمن يفعل الواجب يحصل على هدية، ثم تؤقت المذاكرة بوقت معين واللعب بوقت معين وتجعل المذاكرة أولاً ثم اللعب ثم الواجب الآخر ثم اللعب ونوزع الواجبات بين الألعاب ونربط هذا بهذا حتى نعزف سيمفونية العلاقة التي يشتاق فيها أبنائي إلى أداء واجباتهم. يجب أن توضع اللوائح والأنظمة بشكل واضح، ولا بأس أحيانا أن نقوم بتعليقها في البيت، شرط ألا يتم هذا بلغة عسكرية، وإنما تُعلق إلى جوارها رسوم وصور محببة لدى الأطفال، حتى نُدخل الأنظمة والقوانين من خلال محبوبات أولئك الأطفال. إن الطفل حينما يقتنع بهذه الأنظمة سيسهل عليه اتباعها، لذلك يجب ألا نضع الأنظمة حسب أمزجتنا، بل يجب علينا أثناء وضع هذه الأنظمة أن نتخيل لو أننا كنا أطفالا هل ستناسبنا هذه القوانين أم لا؟، ويجب علينا مراجعة هذه الأنظمة من وقت لآخر، لأننا قد نكون أخطأنا في البداية في وضع النظام فيجب أن نصحح أخطاءنا. يجب أن تتناسب هذه القوانين مع نمو الطفل السريع، ولذلك يجب علينا تصحيحها ومراجعتها بشكل مستمر، فنمو الطفل متسارع وما كان يناسبه قبل شهرين أو ثلاثة ربما يتغير، كما أن الطفل تستهويه أمور مختلفة وقد يكون عنده غيرة من زميله أو ما شابه، وهكذا فربما تستجد عنده أمور كثيرة يجب أن ندمجها ضمن ذلك البرنامج ونفطن له يجب أن يشعر بهيبة النظام، فمن الخطأ أن يتنازل الأهل للأبناء مع الضغط، ثم في اليوم التالي يخرجون بقرارات جديدة يعدلون بها النظام، بل الصواب أن نسمي التقصير الذي قد يحدث حالة عابرة، ولكن يجب ألا يشعر الطفل أنه استطاع أن يغلب النظام، نحن نعد الابن مواطنا مدنيا، ونعده عابدا لربه، والمدنية وعبادة الله كلها فيها نظام، لذلك يجب علينا ألا نتساهل، لأن ذلك يسبب الارتباك عند الأطفال، ويضرهم أكثر مما ينفعهم. تكمن الإشكالية عندما تختلف معايير الوالدين، إما لاختلافهم من الأساس أو لاختلاف معارفهم وخبراتهم الحياتية، وربما يكونان متفقين لكنهما لم يبذلا الوقت الكافي في النقاش والتأمل، ولذا كان لزاما أن يكون هناك اتساق بين الوالدين، لأن ذلك الاختلاف والتذبذب يجعل الطفل في حالة ارتباك شديدة، وهذا يجعله يختار الخطأ ويدفعه لارتكاب الخطأ، كما أننا ندرب الطفل بهذه الطريقة على النفاق، فعن ارتفاع القلق سيرتفع الخوف في حسه فيمارس الخطأ متخفيا، وهذا أسوأ من ممارسة الخطأ نفسه.