11 سبتمبر 2025
تسجيلماذا نفهم من رد الجميل، العبارة ليست بجديدة علينا، ويرددها معنا كثيرون بما تتضمنه من صور راقية تتجلى فيها القيمة الحقيقية للإنسان، فهي تدغدغ مشاعرنا ومحفورة في وجدان كل مواطن عربي لما لها من خصوصية متفردة، ولا يمكن بحال تركها على الرف دون الأخذ بها. رد الجميل.. يعرفه معنا الكثيرون، ومن جميع الأجيال والفئات العمرية، وسواء أكان ذلك بالنسبة للذكور أم الإناث من أبناء شعبنا. رد الجميل، شيء بالتأكيد مدلوله كبير، ومكانه من غير الممكن عدم الأخذ به والإدلال عليه. فهي ترتبط بالإنسان وما مقدار الخدمة والجميل الذي سبق أن قدمه في حياته تجاه أخيه وصديقه، وكل ما يرتبط به. إنّ رد الجميل هو جزء من المعروف الذي سبق أن قدم له من قبل صديق وأخ قريب، وغير ذلك؟ ومثالنا في ذلك، وكما يقال بالعامية: «من يشوفك بعين شوفو بعينين». إنَّ رد الجميل لقاء خدمة ما، أو عمل قمت به دون مقابل فعلى الطرف الآخر هو العمل على تقديره وتفعيله، ودون إرشاد أو توجيه من قبل ذاك الصديق الذي لقي الخدمة من قبل صديقه، وهذه لا تحتاج إلى توصية أو تزكية أو دفع من أحد. ما هو مطلوب من الشخص أن يقوم بنفسه بأداء الخدمة، ليس بالضرورة أن تكون في وقتها، وقد يمضي عليها أيام وأشهر وسنوات. فلا بد من موقف يلزمنا على إعادة رد الجميل في مكانه. قد يكون رد الجميل بسيطاً وتافها، ولكن له مدلوله بالنسبة للشخص الذي سبق أن سارع على أن يقدم خدمة دون مقابل، وهذه صفة يتحلى بها الكثير من الناس. فرد الجميل.. كلمة كبيرة في مفعولها ومدلولها، وتظل لها مكانتها بين الأصدقاء والأحبة لما لها من قيمة اجتماعية متفردة بين شرائح الناس كافة. في الحياة التي نعيش لا يمكن للإنسان أن يعيش وحيداً بعيداً عن المجتمع، ولهذا لابد له من أن يتعايش مع الناس أياً كانوا، والإسلام نهى عن نكران الجميل وردّه، بل إنّه عمّق من مفهومه، وعلى المسلم حفظ المعروف، ومقابلة ذلك الإحسان بالإحسان. فكل معروف هو صدقة جارية، وصانع المعروف لا يقع وإن وقع فإنه لا ينكسر، وعلى الإنسان أن يكون وفياً لكل من يسدي له معروفاً شاكراً له ما قدّم وإن كان بسيطاً. وقال المتنبي في هذه الصورة واصفاً رد الجميل، بقوله: إذا أنتَ أكرمتَ الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا وقالت العرب: ازرع جميلاً ولو في غيرِ موضعه... فلن يضيعُ جميلٌ أينما زرعا إنَّ الجميل وإن طال الزمان بهِ... فليسَ يحصدهُ إلّا الذي زرعا ويقول حكيم بن حزام: ما أصبحتُ وليسَ على بابي صاحبُ حاجةٍ... إلّا علمتُ أنَّها من المصائب وفي هذا يؤكد حكيم بن حزم أنّ المُصاب الحق هو ألا تجد من يحتاج إليك، أو يمر عليك يوم لا تصنعُ فيه معروفاً. ويقول نجيب محفوظ: ليس عليك أن ترد الجميل، ولكن كن أرقُّ مِن أن تنكره. ومن أحب الأعمال إلى الله سبحانه أن تدخل السرور على مسلم، أو تكشف عن كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تقوم على إطعامه في حال أنه جائع. يظلّ رد الجميل من الأخلاق الحميدة التي يتحلى بها أصحاب النفوس الصادقة، وهناك بالمقابل كثير من الناس لا ينكرون فضل من حولهم.