10 سبتمبر 2025
تسجيلقدمت بعض المؤسسات الإعلامية العربية وشبكات التواصل الاجتماعي احتفاء الشعب القطري بأمير البلاد بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية على أنها مظاهرات ضد النظام القائم تهدف إلى الإطاحة به. وهكذا أصبح التضليل والتشويه والتلاعب يمارس على المباشر وبدون حياء أو ضمير أو أخلاق. حروب ونزاعات وأزمات عديدة تحدث في مناطق مختلفة من العالم، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تتعامل وسائل الإعلام مع هذه الأحداث والثورات؟ وهل يحصل القارئ والمشاهد والمستمع على الحقيقة وعلى الأسباب والتداعيات والنتائج؟ هل تصله المعلومة التي يحتاجها لفهم الخلفيات والأبعاد والمضامين، أم أن الأمر يبقى عبارة عن فبركة وصناعة متقنة من أجل التضليل والتزييف لتشكيل رأي عام وفق ما يريده الساسة وأباطرة المال والأعمال وتجار الحروب؟. تعامل وسائل الإعلام المختلفة مع الربيع العربي ومؤخرا مع ما يحدث في مصر يثير عدة تساؤلات ويطرح عدة قضايا جوهرية تتعلق بتسييس الأحداث والقضايا وقراءتها وفق معطيات تصب في أجندة وأيديولوجية المؤسسة الإعلامية على حساب الحقيقة والرسالة النبيلة لمهنة الصحافة. فالتغطية المختلفة والمتضاربة والمتناقضة للحدث نفسه من قبل مؤسسات إعلامية مختلفة في الرؤية والاتجاه والأيديولوجية توحي للجمهور وكأن الأمر يتعلق بأزمات وأحداث مختلفة وليس الأزمة والحدث نفسيهما. لا يزال الكثير من المختصين والباحثين والمنظرين في شؤون الصحافة والإعلام يؤمنون بأن الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في المجتمع: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ومنهم من رأى أن الصحافة هي بارومتر الديمقراطية وهي منبر الفقراء والمساكين والضعفاء ومن لا حول ولا قوة لهم، وهي الوسيلة الإستراتيجية للكشف عن الحقيقة واستقصاء الواقع، حتى سماها الأمريكيون بـ"كلب الحراسة". لكن واقع القرن الحادي والعشرين وواقع الحرب على الإرهاب يقولان إن الصحافة تحوّلت من السلطة الرابعة إلى وسيلة لتزييف الواقع وتضليل الوعي وفبركة الأحداث والوقائع وفق ما تمليه عليها قوى المال والأعمال والسياسة. فوسائل الإعلام اليوم، في عصر الفضائيات والإنترنت والمجتمع الرقمي، أصبحت تكيّف الأحداث والوقائع وفق القوى التي تتحكم في النظام، سواء كان ذلك النظام محليا أم عالميا. لقد كشفت الحرب على العراق الأخطاء والهفوات والتجاوزات الخطيرة التي وقعت فيها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم، حيث إنها انساقت وراء أقوال وأراء أباطرة السياسة وتجار الأسلحة والحروب من دون أن تتجرأ وتستقصي الواقع وتحاول أن تكشف عن الأساطير والأكاذيب وغيرها من آليات التضليل والتزييف التي تستعملها كبريات وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية. فإذا أخذنا الحصار الجائر المفروض على قطر مثالا، نلاحظ التزييف والتضليل والتسييس للأحداث بآليات وتقنيات مختلفة، ليس من أجل تقديم الحقيقة وإنما بهدف استغلال الحدث لتوجيه الرأي العام في الاتجاه الذي يخدم السلطة السياسية والمالية للنظام. تركت أحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق انعكاساتها وبصماتها على جميع مجالات الحياة، ليس في الولايات المتحدة فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على ضرب رمز القوة الأمريكية في نيويورك وواشنطن وضرب أكبر قوة في العالم في عقر دارها، وبعد عشرات الآلاف من المقالات والتقارير والدراسات والبرامج الحوارية والسياسية في المؤسسات الإعلامية المختلفة وعبر جميع أنحاء العالم، نتساءل عن الثمن الغالي الذي دفعته الصحافة والمضايقات والتجاوزات التي تعرضت لها من جهة، ومن جهة أخرى الانحرافات التي ارتُكبت في حق الكلمة الصادقة والأداء الإعلامي الموضوعي والهادف من أجل تزويد الرأي العام بالحقائق والمعلومات والمعطيات. فالخاسر الأول من أحداث 11 سبتمبر والنزاعات الدولية والحروب هي الكلمة الصادقة والممارسة الإعلامية وحرية الصحافة، خاصة في الدول التي اشتهرت بتقاليد حرية الفكر والرأي والتعبير، تلك الدول التي بنت الديمقراطية على أكتاف الصحافة الحرة، القوية والفعالة. لكن ما حدث في التعامل مع وقائع 11 سبتمبر والحرب على العراق إعلاميا كشف أن وسائل الإعلام خانت رسالتها ولم تفلح في أن تنصف جمهورها وأن تنصف الرأي العام سواء على المستوى المحلي أم الإقليمي أم الدولي لمعرفة حقيقة الحدث وخلفياته وأبعاده، وأهدافه. هل استطاعت وسائل الإعلام أن تزيح الالتباس والغموض والتضليل والتشويه والصور النمطية وتقدم الواقع كما هو، أم أنها تسارعت وتفننت في فبركة هذا الواقع -واقع 11 سبتمبر- وفق أهوائها وأهدافها ومصالحها ضاربة عرض الحائط بأدبيات الموضوعية والالتزام والنزاهة وتقديم الحقائق كما هي لا غير؟. الصحفي تيسير علوني سُجن في إسبانيا من دون محاكمة نزيهة وبدون أدلة تذكر، وهناك المئات من الصحفيين قُتلوا بحثا عن الحقيقة والمبرر هو محاربة الإرهاب والأمن القومي، وإلى غير ذلك من أدبيات أباطرة الرقابة والتسلط والتفنن في التعتيم والتكميم. هكذا إذن، لم تصبح هناك فروق بين الدول السلطوية والدول التي تدعي الديمقراطية وحرية الفكر والرأي والتعبير وحقوق الإنسان. فأمريكا صاحبة "التعديل الأول" والبلد الذي يقدس حرية الصحافة ضربت عرض الحائط بما بنته خلال ما يقارب ثلاث قرون وأصبحت توّجه الأوامر لرؤساء التحرير وتتدخل في افتتاحيات المؤسسات الإعلامية مثلها مثل أي دولة سلطوية أو دكتاتورية في العالم الثالث. أصبح الإعلام في القرن الحادي والعشرين صناعة تفبرك الواقع أكثر مما تشرحه وتفسره وتقدمه كما هو للرأي العام. الإعلام في القرن الحادي والعشرين قرن الصراع على الصورة والرأي العام أصبح قوة تقرأ الواقع وتفسره وفق القوى المالية والسياسية التي تتحكم فيه. تعتبر عملية إخفاء الحقيقة الدرجة العليا من الجريمة ومن الإرهاب. وإن تزوير الواقع وتشويهه والتلاعب بعقول الجماهير لإرضاء حفنة صغيرة جدا من تجار الأسلحة والحروب يفوق في خطورته أكبر الأعمال الإجرامية والإرهابية، فالضمير المهني الإعلامي مطالب باستعمال المهنية والحرفية والأخلاق والالتزام من أجل التفاهم والتواصل والمحبة والوئام والتكامل بين الأجناس والأعراق والشعوب والأمم، وحتى يصبح الإعلام مصدرا لنشر القيم الإنسانية والمحبة والأمن والآمان والرفاهية والرخاء في جميع أنحاء العالم، وليس مصدرا ومنبرا لإشعال الفتن والحروب والجرائم والحقد والكراهية والبغضاء والعنصرية لحساب حفنة من أباطرة السياسة والمال وتجار الحروب. أين هي صحافة السلام والصحافة التي تهدف إلى التهدئة ونشر ثقافة الحوار والتفاهم والتلاحم والتكامل؟ أين هي ضمائر رؤساء تحرير وصحفيي الصحف والجرائد والمؤسسات الإعلامية؟ أين هي رسالة البناء والسلام والأمن والأمان؟