30 أكتوبر 2025
تسجيلبالنظر إلى النفور الذي يكاد – ظاهريا- أن يراه المطلع مستحكما بين أوباما وبوتين، فقد يظن أن لا لقاء بينهما على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها السبعين. ولكن الباحث الحصيف حين يتأكد من تدخّل ووساطة "بابا الفاتيكان فرنسيس" - وهو الحبر الأعظم - بينهما بحجة إقرار السلام والوئام في العالم كي يتفقا عليه، يعرف أن البعد الديني في الحرب الكونية الحالية القائمة على منطقة العرب والمسلمين والتي هي وإن تعددت وجوهها – فعملتها واحدة كما تدل معظم الأحداث ومعطياتها ومخرجاتها أو حتى حين النظر في مخاضاتها العسيرة- وخصوصا – في سوريا، فيتأكد أن هذا العامل مهم جدا في التنسيق سواء لدى المسيحيين كدين أو بين الشيعة أنفسهم وبينهم وبين اليهود كدين أيضاً. ولذا فإننا نرى أن العمل السياسي والدبلوماسي الذي يمارسه هؤلاء ينزع في معظمه - عبر وقت طويل وإجراءات وكلمات منقلبة - إلى رأي البابا أو المرشد الأعلى أو الحاخام الكبير، لذلك فإننا لا ننسى توجهات الرؤساء الأمريكان "نيكسون وكارتر" وخصوصا "ريجان" إلى هذا المنزع مع الصهاينة، فهم مسيحيون متصهينون وانظر كتاب محمد السماك في الحديث عن الدين في الزعامات السياسية وكيف يفيض عن هؤلاء الرؤساء وكذلك نجد "نتنياهو" حتى قبل انتخابه رئيسا جديدا لوزراء الصهاينة يؤكد على الصبغة اليهودية لإسرائيل ولا يتنازل عنها أبداً، خصوصا القدس التي تشهد جزءا من الملاحم اليوم بالدفاع عن الأقصى- مع السكوت المريب للغرب والشرق إلا من رحم الله . وكذلك فإن "روحاني" إيران لا يملك من أمره شيئا إذا لم يوافق المرشد الأعلى "علي خامنئي"، فأين يذهب الأسد اليوم في هذا الخضم الذي اختاره ليكون رئيسا بعد أبيه حتى قال الرئيس الأمريكي "كلينتون" يومها: لقد انتقلت السلطة من الأب إلى الابن انتقالا سلسا.فهم يعرفون من أسيادهم فكيف يخالفونهم، فالكل يسير في هذا الإطار، وإن حدث شيء مفاجئ للأسياد فهم يعملون بكل طاقتهم لحرفه عن مساره كما حدث في مصر واليمن بل وتونس، لأن الهدف لديهم واحد ولابد أن يتابعوه. ومن هنا نرى أن "بوتين" وريث رئاسات الاتحاد السوفيتي السابق يقوم بأعمال تدل جميعها على أنه مع الأسد حتى النهاية، لأنه - كما كان أبوه يقتل المسلمين فهو يخاف منهم داخل بلاده والمئات منهم يقاتلون ضد الأسد عندما سنحت لهم الفرصة. وهو يريد أن يحارب الروس في سوريا، وقد قال في العام الماضي: إن روسيا تحارب في سوريا أي بالدعم للظالمين الطغاة من أمثاله، كما قالها بعظمة لسانه "لافروف" وزير خارجيته، منذ بدايات الثورة: نحن لا نريد أن يحكم السنة سوريا، بل العلويون فقط، وقد ذكرني هذا بقول السفير الأمريكي المستقيل في دمشق "روبرت فورد" إن المسألة تُحَل من قبل أمريكا، لكن سنختار أيضا رئيسا علويا! وطبعا لم يُوافق على الطرح. وعلى كل فكما كان يقول الرئيس الأمريكي الأسبق "أيزنهاور": نحن ننظر إلى الأعمال ولا ننظر إلى الأقوال فقط، مما يدعونا اليوم إلى تطبيقه تماما على أوباما وبوتين وخدامهما كإيران وسوريا الأسد ومن يجري في فلكهم، أبعد تاريخهم الإجرامي الشنيع يمكن أن يصدقهم أحد.إن خطاب أوباما في جمعية الأمم المتحدة بخصوص سوريا يركز على أن الثورة قامت سلمية فقابلها الأسد بالرصاص واضطر الشعب للسلاح دفاعا عن وطنه وحريته. ثم يقول بعد ذلك: إن حل الأسئلة السورية ليس سهلا وكذلك الشرق الأوسط، وأن هذا يتطلب وقتا طويلا وأن على الأسد أن يرحل في النهاية. إلى غير ذلك من الكلام المعسول لمحاولة تخدير المعارضة والشعب وإشعار أعضاء الأمم المتحدة بأنه يدافع عن حقوق الإنسان، فحتى مع محاولة استدرار العطف من الجميع ألا تدل جميع مواقف أمريكا على التناقض والباطنية كما هو شأن طهران وخصوصا بعدما أطلق عليه "الاتفاق النووي"؟. إن مثل هذه الألاعيب والبهلوانيات لم تعد تنطلي على أحد، أما الدب الروسي المجرب تاريخيا فكما يقولون: إن الذي يجرب المجرَّب عقله مخرّب، وهكذا الأسد السفاح. ولكن ماذا يفعل المهزوم المأزوم مثله إلا أن يستنجد بولي نعمته والذي كدس لديه في موسكو – كما هو معروف – جميع رصيد سوريا من الذهب، إضافة إلى فتح أي قواعد يريدها ليقوي نفوذه في بحر الشرق الأوسط ويغطي بهذا عن مسألة أوكرانيا، فإما أن تنسى أو يجري قرار أممي بضمها إليه وعودته من سوريا بعد ذلك ومن هنا رأينا الوفد الأوكراني يخرج من القاعة ويقاطع الخطاب. أو تريد أمريكا أن تضع لبوتين فخّا ومصيدة لأنه سيلاقي من أسود سوريا ما لم يذقه لا في مستنقع أفغانستان ولا الشيشان. يقول بوتين في خطابه: إنه لا أحد غير جيش الأسد يحارب الإرهابيين وتنظيم الدولة، وأن تحديد السيادة الوطنية لدولة تعتمد على حرية الشعوب وعدم التلاعب بالكلمات، وإنه لا يوجد نموذج واحد لتجارب الشعوب، وهو قد جاء لإنقاذ الأسد الذي معه الشرعية، وأن التدخل الأجنبي في الشرق الأوسط أدى إلى الفوضى، وأن تنظيم الدولة لم يأت من العدم. ولذا أكد أنه يدعو إلى تشكيل تحالف لمحاربة الإرهاب على غرار التحالف ضد النازية وأن روسيا بوصفها رئيسة مجلس الأمن، لكنها يوم الأربعاء ستقوده وتقدر المخاطر المتوقعة في الشرق الأوسط. إن كل هذا الكلام لا يهضمه امرؤ بسيط ساذج في السياسة، فضلا عن الممارسين والباحثين والوعاة بأهم مآلات الأمور مستقبلا، فلا شك أن السياسة - التي تدعي أنها تعالج موضوع الشرق الأوسط وسوريا خصوصا- تبقى غامضة وضبابية وكلها تقوم على الليبرالية ولكنها جميعها تجزم بضرورة مراعاة أمن إسرائيل ولذا فإن بوتين قد طمأن نتنياهو أن اللانظام السوري لن يفتح جبهة في الجولان، وأنهما كليهما متفقان على بقاء الأسد، فزد إليهما العراق وإيران لتعرف أن التحالف الرباعي الشرير هذا إنما تقوده الصهيونية التي تُغيّب في معظم التحليلات والتي هي وعرّابوها الفعالون في الأحداث.وقد فهم الثوار أو أكثرهم هذه المعادلة وقالوا: إننا سنعيد الروس بغير روس، فهم على جرأة وتوكل الشيخ الصالح القائد عبد القادر جيلاني – رحمه الله: إنني أرى الضر والنفع من الله لا منكم، وإن المماليك والملوك عندي سواء، كما في كتابه (الفتح الرباني: المجلس 51).