03 نوفمبر 2025
تسجيللم تكن تلك الطالبة بالجامعة اللبنانية تمثل نفسها، بل كانت لسان حال أمة عظيمة تحولت إلى أمة هامشية يجلس كثير من مثقفيها في المقاهي وهم يدخنون الشيشة، ويلومون غيرهم على تأخرهم، بينما غيرهم براء مما ينسب إليهم.. قالت الطالبة في ندوة خاطبها النائب البريطاني المعروف جورج غلوي عن فشل الوحدة العربية وكان ذلك موضوع الندوة على ما يبدو: (لن تكون هناك وحدة عربية طالما هناك قوى عظمى إقليمية ودولية تعارض هذه الوحدة)، وسمت الطالبة إيران وتركيا وأمريكا.. لكن غالوي انتفض غاضباً بسبب سياسة الهروب إلى الأمام في إطار البحث عن حجج وذرائع نرمي بها أسباب فشلنا.. قال غالوي معقبا إن إيران أو أمريكا لا تمنع العرب من الاتحاد إن أرادوا، لكن العرب لا يريدون ذلك.. ويضيف: إن كانت هناك من رسالة أبعث بها إلى العرب، فهي أن السبب الوحيد الذي يمنعهم من الاتحاد منذ أربعين عاما هم العرب أنفسهم.. يقول غالوي إن أمريكا لا يمكنها التحكم في شوارع بروكلين، فهي لا يمكنها الوقوف في وجه وحدة اللبنانيين مثلا أو وحدة لبنانية سورية.. وأضاف: (ما دام العرب يجلسون في المقاهي يدخنون الشيشة ويلقون على غيرهم باللائمة على الخواجة ويلومون بريطانيا وإسرائيل، سيبقون على حالة تشتتهم وتفرقهم وبالتالي سيبقون في حالة ضعف شديد، بينما يقوم الآخرون بسرقة ثرواتهم، وهذا أمر واضح لا يحتاج لعقلية أنيشتاين لنفهمه، يجب على العرب أن يتوقفوا عن التفكير في من هو الشيعي ومن هو السني ومن هو اللبناني ومن هو السوري ومن هو الخليجي ومن هو المغاربي.. العرب 350 مليون نسمة يتحدثون لغة واحدة ويعبدون إلها واحدا، نحن في أوروبا نتحدث 150 لغة، يجب أن يفكر العرب في القوة التي يمتلكونها، لكن طالما هم متفرقون ويلومون الآخرين فلن يتقدموا أبداً).. غالوي يقول إن في البرلمان البريطاني 650 عضوا ولو سئلوا واحدا واحدا عن الفرق بين السني والشيعي، فلن نجد واحدا منهم يعرف الفرق ولا يهمهم إن كان العرب يصلون أو يصومون، بل كل ما يهمهم أن يظلوا متفرقين، بل يظلوا متشاكسين يقتل بعضهم بعضا، وفي هذه الحالة تبقى إسرائيل مسيطرة ويتمكنون كذلك من سرقة البترول والغاز وكل ما حباكم الله به.. ختم غالوي معتذرا لأنه انفعل وهو يجيب على تلك الطالبة.إذا لم نضع لأنفسنا في حدود استعداداتنا وحاجاتنا وواجباتنا وكذلك طموحاتنا أهدافاً بعيدة وقريبة واضحة، فإننا لن نتقدم قيد أنملة.. كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل، يوما متأخرا عن اجتماع لمجلس الوزراء، فاستعار سيارة ابنته وانطلق مع مرافقه بسرعة تجاوزت المسموح. أوقفه شرطي وحرر له مخالفة رغم علمه بهوية تشرشل وسبب الاستعجال. أما ابنته فتأخرت عن محاضرتها في الجامعة بسبب اضطرارها إلى البحث عن وسيلة مواصلات أخرى، مما دفع الأستاذ إلى منعها من دخول الصف بسبب التأخير. التقى تشرشل وابنته مساء وكانا متكدرين، أبلغها بما حصل معه وأبلغته بما حصل معها، فابتسم وقال: (بوجود نظام كهذا، الكلمة الأولى فيه للقانون، أستطيع أن أقول إن بريطانيا تمكنها الآن المشاركة في الحرب العالمية الثانية).يجب أن نرتفع إلى مستوى إسلامنا وعالمنا وعصرنا لنؤدي رسالتنا ودورنا في هذا العالم والعصر، ولنسهم في خدمة الحق والعدل وسائر القيم العليا، وخدمة أنفسنا وأمتنا وأوطاننا، وخدمة الإنسانية، ولنظفر في دنيانا وآخرتنا بمرضاة الله عزَّ وجلَّ.. فهل نحن فاعلون؟ فهدف العولمة مثلا توحيد أنماط عيش الناس وأذواقهم ورغباتهم وسلوكهم، وحتى طرق تفكيرهم ونظرتهم إلى أنفسهم، فليس غريبا أن تتعلق قلوب وأفئدة أبنائنا الصغار بـ"الهامبورغ" و"البيتزا هت" و"كنتاكي" و"البيبسي كولا" و توم آند جيري" و"باربي" وهلمجرا.. وتقوم فلسفة العولمة على ثقافة الاستهلاك وإشاعة الروح الفردية والتنافس في الكسب المادي، حيث لا فرق البتة بين الإنسان والحيوان. يقول المفكّر الإسلامي، مالك بن نبي، يرحمه الله: "لكل حضارة منتجاتها التي تتولد عنها، ولكن لا يمكن صُنع حضارة بمجرد تبني منتجات حضارة ما، فشراء ما تنتجه الحضارة الغربية، لم يجعل الدول المشترية تكسب حضارةً أو قيماً، إذ الحضارة ليست تكديس منتجات، بل هي فكرٌ ومثلٌ وقيمٌ لابد من كسبها أو إنتاجها. وهذا ما يريده الغرب، يريد مستهلكين فقط، فإن انتقلت الحضارة إلى هذه الأسواق كما هي في الغرب فمن يشتري هذه البضاعة المُزجاة التي يدفعها كل من رآها لرداءتها؟ لا بد أن يغير القوم ما بأنفسهم حتى يغير الله ما بهم من حال بئيس، قيل إن مؤسسة إسلامية أقامت معرضا في بريطانيا للدعوة والتعريف بالإسلام.. وقال رجل بريطاني لأحد القائمين على المعرض: أنا لا أحب التنظير الذي اعتاد عليه المسلمون.. لقد عشت في إحدى البلدان الإسلامية عدة سنوات وأعرف كل شيء عن الإسلام، وهو دين رائع، نظم العلاقة مع الآخر، مسلما أو غير مسلم، ويعلمك كيف تعبد ربك بشكل واضح وكيف تتعامل مع والديك وزوجتك وأطفالك وجارك والمجتمع عموما وغير ذلك، لكنكم ما تمارسونه مختلف تماما، فأنتم، تكذبون، وتسرقون، وتسبون، ولا تحترمون الوقت، وفوضويون، ولا تحترمون النظام، وعنصريون، وتنتقصون من قدر الآخر، وتأكلون الأموال بالباطل، ولا تهتمون بالنظافة، وتحترمون الغني، وتحتقرون الفقير، ويطبق القانون عندكم على البعض دون البعض الآخر.. وختم بقوله: عودوا إلى كتابكم العظيم وطبقوا ما فيه، فإن أحسنتم التطبيق ستجدون الناس يدخلون في دينكم أفواجا دون الحاجة لمثل هذه المعارض والصرف، لأن قومنا يهمهم التطبيق والعمل الملموس أكثر من التنظير.