18 سبتمبر 2025
تسجيلشكل الانقلاب التركي الفاشل محطة بين مرحلتين على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية. فعلى الصعيد الداخلي انتقل الصراع إلى مرحلة تعددت فيها أطرافه وبات الجيش جزءا منه. في حين أن المعارضة ولاسيَّما حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية سلكا مسلكا ذكيا تمثل في فتح قنوات الاتصال مع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان عندما وقفا إلى جانب السلطة الشرعية المنتخبة ضد الانقلاب العسكري فكان أن بادر أردوغان إلى دعوتهما إلى لقاء في القصر الجمهوري الجديد. وقد اعتبر اللقاء بداية مرحلة جديدة من التعاطي مع قضايا البلاد بين السلطة والمعارضة.لكن الخطوة بقيت ناقصة عندما لم يُدع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي إلى الاجتماع رغم أنه حزب رسمي وله ستون نائبا في البرلمان بينما حزب الحركة القومية لا يملك أكثر من أربعين نائبا كما أن الحزب الكردي أدان الانقلاب منذ اللحظة الأولى.على كل فإن لقاء السلطة والمعارضة لا يعني حل مشكلات تركيا الكثيرة لكنها قد تؤسس لمرحلة جديدة في حال صفت نوايا كل الأطراف خصوصا في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ تركيا التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تعاون كل أطرافها لتجاوز المرحلة الحالية.أما على الصعيد الخارجي فالأنظار كلها تتوجه إلى مستقبل العلاقات التركية - الأمريكية.فأردوغان وغيره من مسؤولي حزب العدالة والتنمية ووزراء الحكومة وجهوا اتهامات مباشرة إلى الداعية فتح الله غولن بأنه وراء الانقلاب العسكري الفاشل. وجماعته تصنف على أنها منظمة إرهابية في تركيا. وبما أن فتح الله غولن يقيم منذ العام 1999 في أمريكا فإن أنقرة تحمل واشنطن مسؤولية عدم تسليمه وبالتالي حمايته بشكل أو بآخر.لا يقف الأمر هنا فالمسؤولون الأتراك أشاروا بصورة واضحة إلى دور أمريكي في عملية الانقلاب. وهو ما استدعى نفيا من وزير الخارجية جون كيري واتصالا من أوباما بأردوغان. لكن اتهام أمريكا بالمشاركة في الانقلاب لم يتوقف في الصحف الموالية لأردوغان.هذه القضية ستشكل العنوان الرئيسي في العلاقات التركية - الأمريكية في المرحلة المقبلة. وبما أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الأبواب فمن المستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية بخطوة حاسمة مثل تسليم غولن إلى أنقرة. وهذا يعني أن الفتور في العلاقات سيستمر إلى حين اتضاح صورة الرئيس الأمريكي المقبل. ولن يجد أي طرف منهما الحاجة لخطوات راديكالية الآن. فأردوغان منشغل بوضعه الداخلي وأمريكا منشغلة بانتخاباتها الرئاسية.في هذا الوقت برزت مؤشرات متعددة على أن أنقرة تسرّع في توجيه الرسائل السياسية الخارجية في اتجاه موسكو تحديدا.حيث أعلن أن أردوغان سيزور روسيا في التاسع من أغسطس المقبل للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سان بطرسبرغ. ومع أن هذا اللقاء كان مقررا إلى حد ما قبل الانقلاب العسكري يأتي في خطوات استكمال التطبيع بين البلدين فإنه يحمل اليوم، بعد حدوث محاولة الانقلاب، أهمية إضافية.إذ إن روسيا كانت من أوائل من أدانوا الانقلاب العسكري. كما يقال إن الاستخبارات الروسية قدمت إلى أنقرة معلومات مسبقة عن تحركات غير عادية في قاعدة أنجيرليك العسكرية قبل حدوث الانقلاب وأثناءه وهو ما أوقع واشنطن في حرج وكان قرينة على دورها في الانقلاب.تسارع الخطوات التركية في اتجاه موسكو فتح على تساؤلات متعددة حول ما إذا كان في الأمر تحول استراتيجي تركي في الانتقال من الغرب إلى الشرق. خصوصا أن السكين وصلت فعلا، بالانقلاب العسكري الفاشل، إلى عنق أردوغان ولم تعد النظرة التركية إلى أمريكا مجرد شكوك. وبالتالي تحتاج العلاقات إلى وقفة مراجعة جدية وليس إلى مناوشات متبادلة.لا شك أن أنقرة تدرك أنها عضو مركزي في حلف شمال الأطلسي وأردوغان نفسه وصف أمريكا عندما طالبها بتسليم غولن بـ"الشريك الإستراتيجي". وهو ما يجعل أي قرار إستراتيجي تركي حول العلاقات مع أمريكا، في أي اتجاه، معقدا ويحتاج إلى تقييم معمق.