16 سبتمبر 2025
تسجيلالمساحة الشخصية هي عبارة عن المنطقة التي تحيط بالشخص ويعتبرها ملكا له، بحيث لا يسمح لأي شخص آخر دخولها إلا بعد أن يقطع شوطا كبيرا من الألفة معه، ودخول أشخاص غير مرغوب فيهم أو غرباء قد يسبب للشخص توترا وقلقا وشعورا بتعدي الحرية الشخصية التي هي ملك لكل أحد، هذا إذا تحدثنا عن الإنسان وعلاقته بالمحيط الخارجي بشكل عام. أما الحديث عن هذه المساحة مع الناس الذين دخلوا دائرة الحميمية كالزوج أو الزوجة، أو دائرة المقربين، مثل الأبناء والأصدقاء المقربين، سنجد أنفسنا أمام بضعة أسئلة: كم يحق للزوجة أن تتدخل في خصوصيات الزوج؟ والعكس كذلك؟ وما هو حجم المساحة بين الأب مع أبنائه؟ إن مساحة الخصوصية يعتمد مداها، زيادة أو نقصانا، على مدى قدرة الإنسان على إدارة ذاته في دخول الآخرين إلى مساحته الشخصية، فالقضية ليست مجرد الحق في نظري، وإنما هي قدرة الشخص على إدارة ما سيراه من أي شيء آخر، من إيجابيات وسلبيات! تجد بعض النساء أن من حقها اقتحام خصوصية الزوج واطلاعها على جواله الخاص، بسبب الفضول أو ربما تشك هذه المرأة بأنه على علاقة شرعية أو غير شرعية مع امرأة أخرى، وسؤالي لتلك الفاضلة، ما مدى قدرتها على إدارة انفعالها إذا وجدت ما لا يسرها في جوال الزوج؟هل ستنفعل وتغضب وتكسر الأشياء حولها في ثورة غضب؟أم أنها ستتحمل نتيجة معرفتها لذلك الشيء وتحاول إصلاح الأمر؟في الأولى أجد أنها لا حق لها مطلقا في تفحص الجوال، لأنها ستعود بخسائر وأضرار وخيمة على المنزل والعائلة، أما إذا كان هذا الاطلاع حتى تتصرف سريعا وتحمي زوجها من الحرام، أو من نزوة عابرة، فلا بأس، ومن الممكن أن تكون على درجة من الحكمة، فإذا وجدت أن لديه زوجة أخرى تسعى لمعرفة أسباب ذلك الزواج، ومحاولة احتواء الضرر الناتج عن معرفتها لذلك، فأقول لها هنا إن مساحة التدخل متاحة، إذا أيقنت أنها تتحمل نتائج معرفتها لوجود امرأة أخرى في حياة زوجها. أما بالنسبة لتدخل الأب في شؤون أولاده أو العكس، فأقول:إذا كان الأب مثلا غير عاقل أو غير حكيم، فمن الواجب تدخل الابن الحكيم في حياة والده حتى يعيده إلى جادة الصواب، وكم من الأولاد ساهم في تربية أهله. وإن كان أبا حكيما ولكن لديه خطأ صغير والأم تدرك أن ولدها يحاول التدخل - غير العاقل - ربما- في شخصية أبيه، ولا يحترمه في الأساس وبالتالي سيعمم ذلك الخطأ، فيجب أن تمنع ذلك.فالمساحة الشخصية للإنسان في علاقته بالآخر تعتمد على هذا الآخر، في تدخله فيه أو قدرته على إدارة الأشياء التي ربما لا تعجبه. والأصل في الحياة أن تجد ما لا يعجبك دائما، فإشكاليتنا أننا أعددنا أنفسنا لأن نفرح حينما نجد ما يعجبنا ولا نسيطر على انفعالاتنا في مواجهة ما يسوؤنا، ولا ينبغي للإنسان السوي أن تقوده انفعالاته إلا إذا كانت انفعالاته تابعة لأفكاره النيرة.