19 سبتمبر 2025

تسجيل

المصالح الاستراتيجية المشتركة بين أمريكا وإسرائيل (1)

30 يوليو 2014

في كل عدوان صهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، تنكشف مواقف الدول الغربية على حقيقتها أكثر فأكثر، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الحامية القوية للكيان الصهيوني، والتي لا تريد فرض تسوية عادلة للقضية الفلسطينية واستحقاقاتها، وتصطف دائما إلى جانب العدوان الصهيوني متذرعة دائما بأن إسرائيل في حالة من الدفاع عن النفس. والحقيقة أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية لم يتبدل من الصراع العربي- الصهيوني عامة، والسبب في ذلك أن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية تتسم بنوع من الفرادة، وفرادتها تكمن في أن أمريكا كانت أول دولة بادرت إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني في عام 1948، ومارست ضغوطاً دولية لتقبل تلك الدولة الصهيونية في عضوية الأمم المتحدة. وفي المنظور التاريخي، لم يكن إعلان قيام إسرائيل بوصفها تجسيداً مادياً للمشروع الصهيوني، سوى عملية استبدال العلاقة مع الدولة الاستعمارية الأم في الحالة الأولى، لتدخل في مرحلة جديدة من العلاقة التبعية مع المركز الإمبريالي الحديث ألا وهو، أمريكا، ولاسيَّما وأن هذه الأخيرة ظهرت بمظهر المدافع عن إسرائيل في المحافل الدولية، أكثر من غيرها من الدول الاستعمارية الأخرى، من أجل أن تكون إسرائيل قاعدة إستراتيجية متقدمة تقوم بدور وظيفي يخدم الأهداف والمصالح الإستراتيجية للإمبريالية الأمريكية. وحتى أعوام الخمسينيات كان الإنجليز والفرنسيون يمثلون القوى الاستعمارية التقليدية التي كانت مسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، لكن بعد انهيار العدوان الإنجليزي ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي ضد مصر في عام 1956، جاءت أمريكا لترث مكانهم في هذه المنطقة الحساسة من العالم. وقد حاولت في البداية أن تُخضع الدول العربية عن طريق فرض شروطها، أو عبر استخدام القوى العسكرية، ولكنها سرعان ما اقتنعت بأن هذا التكتيك غير مثمر. ولذلك فقد لجأت ـ بعد فشلها بالهجوم المباشر ـ إلى السير على الطريق الاستعماري الجديد ودعم الأنظمة الرجعية. وعندما تبين لها، أنه حتى هذا الطريق لا يحقق لها الوصول إلى أهدافها، عمدت عندئذ إلى الاعتماد على دولة إسرائيل كقوة ضاربة رئيسية في الصراع مع البلدان العربية. وكان الرئيس الإسرائيلي الراحل دافيد بن غوريون مؤسس الدولة اليهودية، هو الذي بلور مفهوم «تحالف الأقليات»، عندما أخفق في إقناع الرئيس الأمريكي الراحل دوايت أيزنهاور (1953-1961)، بأن إسرائيل تشكل دعامة إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. لكنّ الرئيس الأمريكي قد فضّل أن يتجاهل هذه الادعاءات، مقتنعاً بأن الولايات المتحدة هي أكثر قدرةً على الدفاع عن مصالحها دون مساعدة إسرائيل.وردّاً على هذا الرفض، بلور الرئيس الإسرائيلي إستراتيجية «تحالفات الأطراف»، التي تهدف إلى تكوين حلف موازنٍ يتكون من الدول الإقليمية غير العربية المتحالفة مع الغرب: إسرائيل، وتركيا، وإيران، وإثيوبيا مقابل ثقل الدول العربية. وكان يرغب بذلك تعزيز قدرة الردع عند إسرائيل، والحدّ من عزلتها في منطقة الشرق الأوسط، وجعلها أكثر جاذبيةً لكونها «رصيداً» للولايات المتحدة.وهكذا، تحالفت إسرائيل مع إيران الشاه، حيث كان للدولتين شعور مشترك «بالفوقية الثقافية» تجاه البلاد العربية، وقدمت إسرائيل مساعدات عسكرية للمتمردين الأكراد الذين كانوا يقاتلون السلطة المركزية في بغداد طيلة سنوات (1970 - 1975)، بهدف إضعاف العراق. وبموازاة هذه الإستراتيجية، طوّر بن غوريون فكرةً أخرى: وهي «تحالف الأقليّات». وقد طال تفكيره ليس فقط الأتراك والفرس، ولكن أيضاً اليهود والأكراد والدروز والمسيحيون الموارنة في لبنان، إلخ. وادّعى أن الغالبية العظمى من السكان في منطقة الشرق الأوسط هم ليسوا عرباً، ولذلك كان من الضروري تشجيع الرغبات في الاستقلالات القومية، وخلق جزرٍ من الحلفاء في مواجهة بحر القومية العربية.ولمواجهة خطر «انتشار الشيوعية»، وخوض الصراع أيضاً ضد حركة التحرر الوطني العربية، والأنظمة الوطنية التقدمية في بلدان الشرق الأوسط، التي كانت إسرائيل تصنفهم في تلك الفترة بأنهم عملاء موسكو، أصبحت الإمبريالية الأمريكية تنفذ عندئذ سياسة استعمارية جديدة مكشوفة في الشرق الأوسط، عبر تمويل وتسليح إسرائيل، ودعم حكامها لفرض عدوانها وإرادتها بمساندة أمريكية متعاظمة على المنطقة، ورعت واشنطن كل الفعاليات الإسرائيلية وأنشطتها العدوانية مع ازدياد التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة بسبب تعاظم حركة التحرر الوطني العربية، وتلاحم هذه الحركة مع قوى الحركة الثورية العالمية والبلدان الاشتراكية، زمن الحرب الباردة. ومنذ مشروع أيزنهاور، سنة 1957، وحتى غزو العراق في مارس 2003، كانت كل ما تقدمه أمريكا لإسرائيل هو في صلب خدمة المصالح الحيوية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع. لكن نقطة التحول العملي بدأت بعد هزيمة يونيو، حيث توثقت علاقة إسرائيل بأمريكا، وصولاً إلى الإعلان عن «التعاون الاستراتيجي» بينهما. وبذلك رمت أمريكا بكل ثقلها خلف إسرائيل بعد هزيمة 1967، منسجمة ومتواكبة مع تطور الإستراتيجية الكونية للولايات المتحدة، وموقع إسرائيل ودورها الوظيفي في خدمة هذه الإستراتيجية.