14 سبتمبر 2025
تسجيلمفارقة غريبة حدثت أمس لاحظتها وأنا أتابع البوصات الملونة فبينما تعج القنوات بغثها ورقصها ضاربة روحانيات الأمة في قلبها، وبينما الإغراءات شرسة بنداءات متوالية للاشتراك في مسابقات أرباحها مذهلة، وبينما سوق (البث الهوائي) المبهرج لاه ببضاعته المضروبة، كان هناك بث خاص يقوده المخلصون يحظى بمتابعة رائعة، وإقبال منقطع النظير رغم أنه لم يزن بالعبارة الشهيرة (اتصل الآن) وستحصل على كذا، وستربح كذا، لم يعد ذلك البث الخاص بجوائز ولا هدايا، ولا عطايا، لم يسأل من يربح المليون! بل كان بثا خيرياً مفتوحاً لمن يعطي لا لمن يأخذ، كانت دعوة طيبة مفادها (وسارعوا في الخيرات) واستجاب الناس بطبيعتهم الخيرة، وفطرتهم النبيلة طمعا في الجائزة الكبرى وممن وصفت جوائزه بـ(لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) اندفع الطيبون المواطنون والمقيمون يساندون بتبرعاتهم إخوانهم في سوريا ببذل لافت، ذكر البعض اسمه، واكتفى البعض بفاعل خير، وللمرة المليون نتأكد أن البث يمكن أن يوجه لقيم الخير والتكافل، ولقد قدمت الجمعيات والمؤسسات الخيرية في قطر والداعمة لحملة (الشام) نقطة مضيئة للتكافل الأسمى، ليتألق سباق الخير عبر بث مفتوح في أجمل وأروع صور التراحم. * في عالمنا العربي الوسيع عندما يذكر رمضان (على طول) يذكر معه الكسل، وتوقف إنجاز المعاملات وكأن رمضان اجازة مدفوعة الأجر يعطي الموظف نفسه فيها الحق في تأجيل عمله وتعطيل مصالح الناس (صايم بقه)! وما دمنا في رمضان أدعو كل من ينام على مكتبه لأنه كان (سهران طول الليل مع المسلسلات الله يعينه! وادعو فريق (تعال باكر) لمراقبة شوارع الدوحة وملاحظة رجال المرور الصائمين الذين يؤدون عملهم تحت درجة حرارة تتجاوز الخمسين من غير (تعال باكر) تصوروا لو أن شرطة المرور عملت بمبدأ (تعال باكر) وتوقفت السيارات في الشوارع وتوقفت شرايين الحياة؟ تصوروا الخباز الواقف أمام حرارة فرنه اللافحة وهو يقول للواحد منا (تعال باكر) ولم نحصل على خبزنا؟ تصوروا لو أن الطبيب قال لمريضه المتوعك بأزمة قلبية (تعال باكر) فلم يأته ابدا لأنه لم يحتمل الانتظار فحملوه (لأبو هامور) وأصبح المرحوم فلان، تصوروا (الطيار) لو قال (تعال باكر مش طايرين النهاردة) لتتعطل مصالح الدنيا كلها! الغريب أن أصحاب المصالح والحاجات اقتنعوا صاغرين بوقف تقديم أي معاملة، أو متابعة أي مصلحة لانهم (عارفين) بأنهم لن يجدوا مبتغاهم، ولن تنجز معاملاتهم لأن المكاتب أيضا قد يهجرها موظفوها الصائمون! واضح أننا نحتاج لتوعية مستمرة قبل وأثناء رمضان بأن اختصار ساعات العمل في رمضان كاف جدا للصائمين، وأن الصيام نفسه ليس مسوغا للتراخي والتأجيل فجوهر معناه الصوم عن الأكل والمعاصي وليس صياما عن انجاز ما نتقاضى عنه أجراً إلى جانب أنه مصلحة الناس. * في رمضان، يتوالى الإعلان تلو الإعلان عن أعمال رمضان (السوده) وفيها لقطة (ليسرا) وهي تلبس فستانا أحمر وترقص على الواحدة ونص! واجب أن نقول للست يسرا إن لم تستحي من (رمضان) استحي على شيبتك، نسيتي إنك تجاوزتي الستين يا حاجة؟ * مسلسل (عمر) رضي الله عنه بغض النظر عن كون تجسيد الصحابة يجوز أم لا يجوز فذلك مسؤولية الفقهاء التي لا أتعرض لها إنما اتعرض لنتائج عمل نظيف يثبت أن اجتذاب الناس للمتابعة لا يحتاج مطلقا لسيقان فلانة، ولا رقص فلتانة، ولا عرى سين أو صاد كما اعتادت صناعة الموتورين الذين يسوقون خواءهم، ضروري التحية لعمل محترم عرفت من خلاله ملايين خصال (عمر) الذي وزن الأمة وما يدرينا ما فعل (عمر) القدوة بمتابعيه؟ لماذا لا يتسع الأمل لنأمل بعمر جديد تخاف منه شياطين الجن والأنس الذين لا يستحون؟ * قال الشيبة الطيب في ود صادق، ورأفة، يا مشغولون، يا منشغلون، يا مشوشون، يا ضائعون، يا مضيعون، يا سرحانون قولوا (اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وثقوا أنكم لن تصلوا لله إلا بالله) نقلني كلامه الطيب إلى حالنا في الصلاة، إلى خشوعنا المهاجر الذي يصعب في أوقات كثيرة القبض عليه، كم مرة صلينا دون أن ندري كم ركعة؟ كم مرة زدنا ركعة أو انقصنا ركعة؟ كم مرة ضعنا فلم ندر إن كنا قبل التشهد أو بعده؟ كم مرة سرحنا ونحن بين يدي الله فيما سنأكل ونشرب، في مشاوير ننتويها، في مشاريع نحضر لها، في مشاكل العمل واحداثه في المسلسل الذي حان موعده، في سيارتنا المحتاجة رخصتها لتجديد، في المفتاح أو جواز السفر، أو الموبايل، أو المحفظة التي ضاعت منا في البيت وفشلنا في العثور عليها، كم مرة قفزت إلى أذهاننا بعد (الله أكبر) أحاديث النفس لتأخذنا مبحرة بنا بعيداً في تشويش يصر على حرماننا من سكينة الصلاة وخشوعها؟ الحق، كثيرا، كثيرا جدا سرحنا، وانشغلنا، وضيعنا، وخرجنا من الصلاة أفقر مما دخلنا لأننا ربما عجزنا عن توفير صفاء الذهن لدقائق فقط ونحن في حضرة أعظم لقاء بين العبد وربه! السؤال: متى نتخلص من عبودية وسوسة النفس في الصلاة؟ متى نستغني عن سجود السهو الأبدي الذي أصبح جزءا دائما من متممات صلاتنا؟ ومتى نصل في لقائنا مع المحبوب أن نكون معه بكليتنا لا يشغلنا عنه شاغل؟! السؤال منا، والاجابة علينا، ولنقل اليوم إذن كما قال (الشيبة) الطيب (اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ولقد علمتني صديقه دعاء جميلاً إذا ما اشتد تشويش النفس في الصلاة يقول (اللهم ابعد عني الشيطان كما ابعدته عن جنتك ويئسه مني كما يأسته من رحمتك). * لو سألك سائل ما هو أجمل يوم في عمرك بماذا ستجيب؟ أتصور عشرات الأجوبة، قد تقول إن اجمل يوم في عمري كان يوم زفافي، أو يوم حصلت على الماجستير، أو الدكتوراه، أو يوم رأيت وجه مولودي الأول، أو يوم حصلت على الجواز (الأمريكاني) أو يوم حصلت على الميدالية الذهبية بالتصفيات النهائية، أو يوم حضور حفل تخرج إبني، أو مع ميلاد أول كتبي، أو ، أو، أو، اجابات كثيرة اتخيلها لكن يظل أجملها (أجمل يوم في عمري يوم صلحي مع الله). * شبق مجنون في صناعة المسلسلات، 57 مسلسلا منتجة هذا العام خصصياً من أجل رمضان البريء منها، أما تكلفة انتاجها فبلغت أكثر من مليار جنيه، هذا الرقم ألا يجعلنا نفكر في حجم الاصرار والاستقتال الشرس للاعتداء على عقولنا، وأوقاتنا، وتفريغ ثوابتنا بمضامين فارغة؟! لا يجعلنا ننتبه أنها في معظمها (ذنوب ديلفري) تصلنا حيث كنا بضغطة على الريموت؟! * فلتحسس قلوبنا ما بها قست حتى في رمضان؟ لماذا التراحم ضائع والود منسي والتسامح مهاجر.