12 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ أيام قلائل ألقت فتاة في ريعان الصبا بنفسها في النهر، وماتت غريقة! وقيل في أسباب ذلك: أنها ارادت أن تتخلص من شقاء فرضه عليها أهلها حين أجبروها على الزواج ممن تكره.. وفي الحق ما لقيته المنتحرة من ظلم أهلها يقع كثيرا في بيوتنا، فنحن في الغالب وخاصة في الأوساط الجاهلة أو الفقيرة لا نزال نعامل بناتنا في البيوت معاملة القسوة والاهمال والامتهان.. تقذف البنت من أرحام الأمهات إلى الحياة فنستقبلها بالعبوس والتجهم. إن النتيجة الطبيعية لهذه المعاملة السيئة هي الخطورة على المجتمع. فهي أولا تغرس في نفس البنت شعورا بالمهانة والضعف، حتى إذا أصبحت أما لم يكن في استطاعتها أن تبث في نفوس ابنائها الشعور بالعزة والاعتداد بالكرامة. وهي ثانيا تشعر بأنها مظلومة مهضومة الحق والشعور بالظلم مع الضعف والمهانة يولد الحقد والرغبة في الانتقام. وهي ثالثا تحمل من حيث لا تشعر على الجموح في سلوكها، والخروج على آداب المجتمع وتقاليده، وإن وجدت مجالا ولو ضيقا لنسيم الحرية خارج بيتها، انفلتت ثم انتهت إلى أحد أمرين: إما العار وإما الانتحار.. ولا ريب في أن الإسلام قد وضع النظام الصالح لإيجاد جيل من الفتيات يبنين المجتمع ولا يهدمنه، لقد وضع الإسلام أساسه التربوي الصالح للبنات على انكار عادة للتشاؤم بولادتهن كما كان يفعل عرب الجاهلية.. قال تعالى: "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، ايمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون" (النحل: 58-59). متى كان الأمر كذلك كان السبيل الصحيح.. في نظر الاسلام- أن تستقبل البنت بالبشر، وأن تشعر الزوجة من زوجها بأنها لم تأت بأمر ينفر منه، وأن يشعرها الزوج بفرحة ولادتها وسلامتها، حتى تنتقل الطمأنينة من نفس الأم إلى نفس الطفلة. ومن إكرام البنت ألا نشعرها بتفضيل أخيها الصبي عليها، بل استحب الإسلام أن نفضلها على أخيها في الهدايا ليزول من نفسها كل معنى من معاني الشعور بالغبن أو الضعف أمام أخيها. ويذهب الإسلام بعد إلى كراهة الإساءة إليها.. كان لعبدالله بن رواحة جارية تتعاهد غنمه فعدا ذئب عليها فأكل واحدة منها، فضربها عبدالله على وجهها ثم ندم، فأخبر الرسول بما فعل فغضب الرسول وقال لعبدالله: ضربت وجه مؤمنة؟ وما عسى الصبية أن تفعل بالذئب؟ ومازال يكرر ذلك.. وهكذا يحيط الإسلام الفتاة في البيت بجو من الحب والإكرام والصفح في الإساءة والتعهد في التربية والرعاية حتى إذا شارفت سن الزواج نهى أن يفتات الأب عليها في اختيار الزوج، وأمر بأن يؤخذ رأيها فيه واعتبر سكوتها حياء دليل رضا. وهكذا يحول الإسلام دون عسف الآباء في التحكم في مصائر بناتهم ومستقبلهن، ولقد ذهب بعض الأئمة إلى بطلان زواج الأب أو الجد لبنته الصغيرة أو ولده الصغير. وبعد أن بعض الفتيات من يخترن أزواجهن بتأثير حب جارف وغرام مشبوب وكثيرا ما يعقب مثل هذا الزواج الحسرة والندم، ونحن لا ننكر أن القانون وحده لا يحمي الفتاة من عبث أبويها، من أجل ذلك نعتقد أن العلاج الوحيد لظلم الفتاة في بيتها وانحرافها في سيرتها، هو أن يُنشئ الفتاة منذ الصغر على الدين والفضيلة، وأن نغرس ذلك في نفسها غرسا بالإقناع والتربية لا أن تحمل عليه حملا بالإكراه والاضطهاد. إن القسوة لا تربى في الفتاة حصانة.. وهبك أكرهتها على العبادة.. فمن الذي يضمن لك ألا تنحرف حين تخرج.. إن كانت في المدرسة أو كانت في السوق أو كانت في الشارع؟ إن السبيل أيها الناس لاستقامة فتياتكم وسعادتهن زوجات وامهات.. أن يقتنعن- لا أنتم- بأن مستقبلهن ومستقبل الوطن بأيديهن.. وأن يشعرن في قرارة أنفسهن بأنهن مسؤولات أمام الله عن أعمالهن وسلوكهن. والسبيل المضمون إلى ذلك أن تغرسوا في قلوبهن حب الله والرغبة في ثوابه والرهبة من عذابه، وقلب المرأة أسرع إلى الاستجابة، إلى الدين وتعاليمه من الرجل. أيها الفتيات.. إذا شكوتن ظلم آبائكن وامتهان اخوانكن، فالجأن إلى الإسلام ينصفكن.. إلجأن إلى دين آبائكن واخوتكن، الجأن إلى قلوبهم وضمائرهم، إلجأن إلى تذكيرهم بما فرض الله عليهم من رعايتكن واحترامكن وإكرامكن.