16 سبتمبر 2025

تسجيل

وثيقة الدوحة.. وواجبات الخرطوم

30 يوليو 2011

يقولون إن المرحلة القادمة فاصلة في مستقبل السودان لأنها مرحلة عبور إلى أوضاع جديدة في السودان خاصة في دارفور.. انفصال جنوب البلاد يستلزم مراجعة الخيارات الدستورية، وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية كلها.. أهمية دارفور ستزداد باعتبار مساحتها، وحجم سكانها، ودورها في السياسة المركزية والطرفية، وأهمية جوارها الإقليمي.. توقيع اتفاقية ما عرف بوثيقة الدوحة للسلام في دارفور هذا الشهر, والقبول الدولي والإقليمي لها كانت واحدة من المحطات المهمة.. ليست الاتفاقية محصورة بين الحكومة والحركات المسلحة، بل في حقيقتها اتفاقية لحل مشكلة دارفور ومكتسباتها جوهرها مكتسبات لمواطن دارفور وليست لتنظيم سياسي أو عسكري. على الحكومة السودانية عمل الكثير لاستثمار الاتفاقية، من ذلك معالجة أزمة طرد المنظمات، أحدث طرد المنظمات الأجنبية من دارفور في مارس من عام 2009م حيث شكل قرار الطرد نقطة مواجهة مع بعض القوى الدولية التي تمارس نفوذها من خلال تلك المنظمات.. صحيح أنه جرى بعض (الترميم) مع المبعوث الأمريكي آنذاك، سكوت غريشن، مما قلل اثر الاحتكاك وتثبيت قرار طرد باعتباره أمرا سيادياً، لكن لا يخفى على أحد مدى الضرر الكبير الذي أصاب السودان. لاشك أن التطور النوعي في العلاقات الإقليمية كان ضربة استراتيجية محورية في معالجة مشكلة دارفور، من خلال تطبيع العلاقة مع الجارة تشاد وقد ثبت فيما بعد أن ذلك كان من أهم المكتسبات.. اليوم أصبح السودان وتشاد ينظران إلى أمنهما الوطني والإقليمي بمنظور واحد. يشار إلى أنه لاحقاً انضمت إفريقيا الوسطى إلى هذه المنظومة التي تؤسس لإيجاد أمن إقليمي مستقر، نشطت بسببه التجارة والعلاقات السياسية والاجتماعية. في اعتقادي أن المثابرة والصبر على التفاوض من قبل الأطراف المختلفة كان ثمرته توقيع الاتفاق، وهو جهد مثابر استمر لعامين ونصف تخللته نجاحات وإخفاقات عديدة، بيد أنه كان في النهاية اتفاقاً جيداً.. أهم ملامح الاتفاق قيام الاستفتاء على الوضع الإداري النهائي لدارفور بعد عام واحد من توقيع الاتفاقية، وهذا يعني إدراج نتيجة الاستفتاء في الدستور الدائم للسودان، كذلك عالجت الاتفاقية العدالة بصورة هي الأفضل بين كل المقترحات المقدمة حتى الآن.. أنشأت الاتفاقية مجلساً مشرفاً على السلطة الإقليمية.وهذا المجلس الإشرافي سيقوم أعمال السلطة الإقليمية ويحاسبها، وهو شيء لم يكن موجوداً في اتفاقية أبوجا ومعروف أن حركة مناوي استغلت تلك الثغرة حيث عين مني أركو مناوي (14) مساعدا من قبيلته الزغاوة من جملة (18)، بل استغل الأموال الحكومية في شراء الأسلحة التي يقاتل بها الحكومة اليوم.. وعلى ذكر الأموال فإن الاتفاقية في معظمها التزامات مادية وتعويضات لأهل دارفور واستدراك لما فاتها من التنمية، وهي مكاسب لأهل دارفور جميعاً، على الرغم من أن الإعلام يكاد يركز على جوانب اقتسام السلطة وحدها، وهو جانب محدود في الاتفاقية. إن ما حققته استراتيجية حل مشكلة دارفور السابقة والمعطيات التي أثمرت عن توقيع الاتفاقية يستوجب إعادة ترتيب الأولويات من خلال صياغة استراتيجية أمنية، وبما يؤدي إلى مكافحة جميع أنماط العنف القلبي أو العنف الناتج عن النهب المسلح. وينبغي تنسيق الجهد الأمني في دارفور مع الجهود الإقليمية، خاصة تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان، من أجل تطبيق سياسة حازمة لنزع السلاح وإدخال المقاتلين في برامج التسريح وإعادة الدمج.. من المهم جدا كذلك العناية بمعضلة التعامل مع القوى ذات التأثير السالب على مشكلة دارفور، فقد عمّق النفوذ الأجنبي الغربي مشكلة دارفور من خلالها جعلها واحدة من أدوات السياسة الخارجية، مع عدم إغفال القوى ذات التأثير الموجب مثل دول الجوار الصين وروسيا والمنظمات الإقليمية, خاصة الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والدول الصديقة عموماً.. أيضا لابد من تحقيق انتشار إداري أوسع في ولايات دارفور الثلاث فلم يستفد بعضها من تحسن الأوضاع الأمنية وإحداث الانتشار المطلوب لسد الفراغ وسد الطريق أمام الفوضى وبسط هيبة الدولة.. أخيرا ضرورة التسريع بعملية عودة اللاجئين والنازحين, مع الأخذ في الاعتبار أن بقاء المخيمات واستمرار المشكلات الإنسانية يعني استمرار استغلالها لتعميق المشكلات في دارفور وجعلها مشكلات مزمنة.