18 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن مفاجئا أن يخرج الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري ليتحدث واعظا في الشعب السوري الذي يتحرك منذ عدة أشهر باتجاه بناء دولة جديدة تقوم على التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان، سواء كان ذلك التحرك عبر الدعوة إلى التغيير الجذري تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" أو عبر الإصلاح التي دعت إليه السلطة السورية وجارها في ذلك بعد أطياف المعارضة.. جميعنا يعلم أنه كلما طال أمد الأزمة في سوريا، كلما زادت المخاطر من أن تنزلق البلاد إلى حرب طائفيا، يحاول كثيرون أن يدفعوا بالأحداث نحو هذا المنزلق، وما خطاب أيمن الظواهري الذي وصف فيه نظام الرئيس الأسد بأنه حارس حدود إسرائيل "طوال عهده ودعوته المتظاهرين لينددوا بالولايات المتحدة كما ينددون بنظام الأسد بالقول: "نحن أبناء الفاتحين وسلالة المجاهدين وورثة المرابطين، إننا نخوض معركة التحرر والتحرير، التحرر من الطواغيت المفسدين والتحرير لديار المسلمين"، إلا كمن يصب الزيت على النار. وإذا أردنا أن نحلل خطاب الظواهري في سياقه العام والخاص، نجد أنه ينقسم إلى شقين، شق مرتبط بمرام وأهداف مرتبطة ببنية التنظيم نفسه وشق آخر مرتبط بالأحداث في سوريا. ففي الشق الأول، شهدنا وسنشهد مزيدا من الخطابات والتصريحات للظواهري في الأيام القادمة، لأن الرجل يريد أن يملأ الفراغ الذي أحدثه رحيل مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، علما بأن الظواهري يفتقد للكاريزما التي كان يمتلكها بن لادن وإظهار أن التنظيم متماسك وقد استوعب صدمة مقتل زعيمه بن لادن وأن جهده ينصب حاليا على الأهداف التي من أجلها أنشأ وأنه - أي التنظيم - فرغ من إعادة ترتيب بيته الداخلي. لكن الإشكالية الأكثر تحديا للتنظيم والتي جاءت متزامنة مع مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن، هي مدى شرعية أطروحات التنظيم بعد نجاح التحركات السلمية للشعوب في التغيير دون كلفة كبيرة وفي فترة زمنية قصيرة ما أثر على أدبيات التنظيم التي كانت ترى في ممارسة العنف الشديد سبيلا وحيدا لقلب نظم الحكم في العالمين العربي والإسلامي. أما في الشق السوري، وانسحابا على غيره من البلدان التي تشهد تحولات سياسية، فإن القاعدة تريد من خلال تصريحاته وخطاباته القول إن لا تناقض بين مسارها وبين ما حققته الشعوب من إنجازات، مستغلا حالة الغليان التي تشهدها الشوارع العربية في محاولة لركوب الموجة وحصد إنجازات الشعوب من ناحية وإعادة الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي إلى بعده الديني، وهذا بدا واضحا في دعوة الظواهري السوريين للتنديد بالولايات المتحدة كشريك أساسي لنظام الأسد. لكن تصريحات الظواهري وتقييمه للوضع في سوريا في تظهر مدى سطحيته في قراءة المشهد السوري حيث حملت تصريحاته جملة من التناقضات تؤكد أن التنظيم عمليا لا يفهم حقيقة ما يجري على الأرض السوري. فهو يحاول أن يغذي التصور القائل إن السنة مستهدفون في سوريا طائفيا وبالتالي هو ينفخ في البالون الطائفي لتحويل المشهد من حراك سياسي نحو التغيير إلى صراع مذهبي ديني يعزز من فكر القاعدة ويهيئ لها تربة خصبة للوجود تحت ستار حماية أهل السنة ومواجهة ما يتعرضون له، فضلا عن أن هذا النمط من التحليل لا يخدم الحراك الشعبي في سوريا، بل على العكس يحاول أن يؤدلجه ويعطيه بعدا دينيا ومذهبيا وهذا كفيل بصراحة بأن يشرذم سوريا ويفكك وحدتها الداخلية ويدخلها في اتون حرب أهلية طاحنة، في حين أن التنظيم يستفيد حيث ينشط في البيئات المتوترة دينيا ومذهبيا وحتى سياسيا. النقطة الثانية في هذا الملف هو محاولته استثمار التعاطي الأمريكي مع الأحداث في سوريا ليقول لمنظمي الاحتجاجات أن العدو الأساسي لهم هو الولايات المتحدة التي تدعم النظام لقمع شعبه، وأن النظام ليس إلا واجهة للإمبريالية الأمريكية والإسرائيلية، وهذا كلام فيه كثير من المغالطات، إذ إن المشهد السوري أكثر تعقيدا وتداخلا من أي بلد عربي آخر يشهد مثل هذه التحولات، وعلاقاته مع الولايات المتحدة ليست بتلك التي يصورها الظواهري، فلواشنطن مصالح واضحة في الضغط على نظام الأسد لأسباب يعرفها القاصي والداني وهي لا تختلف عن القاعدة في محاولة ركوب موجة التحركات الشعبية في سوريا لإظهار نفسها بأنها مع مصالح وتطلعات الشعب السوري.