11 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا بعد انعقاد ورشة القرن في البحرين ؟

30 يونيو 2019

 تسخين منطقة الخليج بتوترات مصطنعة مع إيران انتهت في البحرين في الأسبوع الماضي جلسات ورشة القرن التي انعقدت بأوامر أمريكية لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وفي حين كان الموقف العربي موحداً منذ القمة العربية في عام 2002، حول إمكانية التفاوض مع إسرائيل على حل الدولتين، بحيث يحتفظ الفلسطينيون بالضفة وغزة وتكون القدس عاصمة لهم، فإن ورشة القرن قد أغفلت ذلك وركزت على مسائل هامشية تتمثل في إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية نهائياً، والتركيز على جمع تبرعات مالية أغلبها من دول عربية(!!!!!) لتمويل إعادة ترتيب تواجد الفلسطينيين في المنطقة. وقد سبقت إقامة الورشة قرارات أمريكية من قبيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ودعم قرار إسرائيل بجعل القدس عاصمة لإسرائيل، وتقليص مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) تمهيداً لإلغاء الوكالة نهائياً، وحصار قطاع غزة المتقطع بين مد وجزر منذ سنوات لإضعاف الجبهة الداخلية. وقد كان الموقف الشعبي العربي موحداً حول رفض الورشة وما صدر عنها من قرارات وتجسد ذلك أكثر ما يكون في موقف الفلسطينيين الذين توحدوا فجأة على خيار رفض الورشة وقراراتها. وفي حين كان رفض المقاومة مفهوماً، فإن رفض السلطة في رام الله كان مفاجئاً إلى حد ما، وإن بدت أسبابه واضحة جلية بعد ذلك، فالمحصلة النهائية للورشة هي إلغاء ما تبقى من اتفاقات أوسلو، وإنهاء السلطة الفلسطينية بشكلها الراهن، وتصفية قضية اللاجئين وبعثرتهم في مناطق متفرقة من الضفة وشرق الأردن، وربما سوريا والعراق. وتمخض جُل اهتمام الورشة في كيفية جمع 50 مليار ريال للمساعدة في إعادة التوطين، والغريب أن هذه المليارات لن تقدمها إسرائيل المحتلة والمغتصبة لأرض فلسطين، وإنما سيتبرع بها أثرياء العرب بأوامر أمريكية، في مقابل حماية أمريكيا لهم من خطر مزعوم يمثله التهديد الإيراني للمنطقة. ومن أجل ذلك تم تسخين منطقة الخليج بتوترات مصطنعة مع إيران، وصلت ذروتها في إسقاط الإيرانيين لطائرة أمريكية مسيرة، وتصعيد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة على مناطق في المملكة. ويرى البعض أن الرفض العربي قد حقق بعض النتائج التي منها تحويل مشروع كوشنر من صفقة القرن إلى ورشة القرن، وتقليل التمثيل الرسمي فيها من زعماء إلى وزراء ومسؤولين، مع عقد الورشة في البحرين التي هي أضعف بلد في منطقة الخليج. ومع ذلك فإن هنالك نقاطا سلبية ومؤلمة في الموضوع تتمثل في الأتي: أن المليارات التي ستجمعها الورشة سيخرج معظمها من دول عربية وليست من الولايات المتحدة راعية الورشة ولا من إسرائيل المغتصبة... ولا ندري هل ستتم استفادة الفلسطينيين منها حقيقة أم ستذهب لجيوب بعض الحكام هنا وهنالك؟. أن الخمسين مليار دولار ستتوزع على عشر سنين، بمعدل 5 مليارات سنوياً، وأن بعضها سيأتي بقروض من القطاع الخاص. أن أي استثمارات في المناطق الفلسطينية المحاصرة في الضفة وغزة لن تكون ذات جدوى للفلسطينيين، لعدم وجود بيئة مناسبة للاستثمار والإنتاج. أن الورشة مثلت وصمة عار في تاريخ البحرين التي استضافت الورشة واستقبلت الصهاينة المشاركين فيها، بل وأعلنت على لسان وزير خارجيتها ترحيبها بالوفد الإسرائيلي المشارك، ودعمها لحق إسرائيل في الوجود كدولة مستقلة. أنه قد تزامن مع انعقاد الورشة تصريحات لإعلاميين خليجيين تقلل من أهمية القدس والمسجد الأقصى، وقد خرج الإعلامي فهد الشمري ليقول إن لدينا الكثير من المساجد، وأن مسجداً في أوغندا أفضل من المسجد الأقصى الذي يجب تركه لليهود لتحويله إلى معبد يهودي، ونسي هذا الإمعة أن الأقصى مسرى رسولنا الكريم، وأن الله بارك حوله بنصوص قرآنية. أن انعقاد الورشة بمن حضر ستتبعه للأسف خطوات أخرى لاحقة من بينها- كما توقع البعض اعتراف دول عربية بإسرائيل، وفي مقدمتها البحرين. وهكذا فإن الورشة قد تمخضت عن جمع العرب مع الإسرائيليين لأول مرة من أجل تصفية القضية، وما هذا الحديث عن المليارات إلا لذر الرماد في العيون. وإذا كان هنالك إجماع على اعتبار وعد بلفور نقطة فارقة في تحقيق الحلم الإسرائيلي لإقامة الدولة، فإن ورشة البحرين، قد تمثل منعطفاً بالغ الخطورة في اتجاه إقامة دولة إسرائيل الكبرى. ومع ذلك، لا نقول إلا كما قال الله عز وجل: "يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين".