14 سبتمبر 2025

تسجيل

أخلاقيات الإعلام في عالم مضطرب

30 يونيو 2018

تثار من حين لآخر في الأوساط الإعلامية قضايا مصيرية وجوهرية تتعلق بحبس الصحافيين وقوانبن النشر والمطبوعات ومواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة. فإذا بدأنا بإشكالية حبس الصحافي فالقضية قديمة قدم الممارسة الإعلامية عبر التاريخ والعصور، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يجوز حبس الصحافي ومعاملته في قضايا النشر والرأي كأي شخص آخر؟. فقضايا النشر والرأي تختلف في الواقع عن باقي الجنح والمخالفات التي يرتكبها الفرد في المجتمع. فلا يُعقل مثلا أن يُحاكم الصحافي بنفس منطق وفي نفس قاعة محاكمة القاتل أو المجرم أو اللص. جريمة النشر تختلف في طبيعتها ومضمونها ومحتواها عن باقي الجنح والمخالفات في المجتمع. من جهة أخرى نلاحظ أن طبيعة العمل الصحفي ومهنة الصحافة تختلف جذريا عن باقي المهن والوظائف في المجتمع. فالمؤسسة الإعلامية في المجتمع هي مؤسسة اجتماعية تقوم بوظائف الإخبار والإبلاغ والإعلام والتربية والتوعية والتثقيف والترفيه والتسلية ونقل التراث والتاريخ والذاكرة الجماعية للمجتمع من جيل إلى آخر. عدم حبس الصحفي لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذا الأخير فوق القانون وهو محصن ويستطيع أن يفعل ما يشاء. لا، الصحافي مثله مثل أي فرد في المجتمع يخضع للقانون ويتماثل للوائح التنظيمية والتشريعية والقانونية التي تُقنن وتُنظم مهنة الصحافة. فالعمل الإعلامي يحكمه قانون النشر والمطبوعات وميثاق الشرف والضمير المهني للصحافي الذي يُعتبر مؤرخ المجتمع وشاهد عيان والعين الساهرة على ما يدور فيه من إيجابيات وسلبيات، ومن أحداث وقضايا من حق الجمهور التعرف عليها. بل أكثر من ذلك فإنه يقوم بمراقبة السلطة التنفيذية وغيرها من السلطات والمؤسسات في المجتمع إذا تجاوزت حدودها وخرجت عن المصلحة العامة وتحايلت على القانون. العمل الإعلامي بحاجة إلى قانون واضح المعالم يقنن مهنة الصحافة في علاقتها بالسلطة، ويحدد علاقة المؤسسة الإعلامية بمصادر الأخبار وبمختلف المؤسسات في المجتمع، كما يحدد علاقة الصحافي بمؤسسته وبمصادر أخباره. وقانون الإعلام يجب أن يساير التطورات التي تحدث في المجتمع وعلى المستوى العالمي، ويجب أن يضمن حق الفرد في المعرفة وحق الصحافي في الوصول إلى مصادر الأخبار. وكذلك حق الجمهور والمؤسسات المختلفة في المجتمع بأن يحظى بتغطية إعلامية مسئولة، نزيهة وموضوعية بعيدة عن القذف والتشهير والتلاعب. قانون الإعلام من شأنه كذلك أن يحمي مهنة الصحافة من الانتهازيين ومن الاستغلاليين الذين يريدون توظيف الإعلام من أجل التسبيح والمدح وإبراز الإيجابيات وإخفاء السلبيات، كما يهدف إلى حماية المهنة من سلطة أصحاب الأموال والسياسيين الذين يتهافتون على المؤسسة الإعلامية من أجل الظهور الإعلامي والعلنية بهدف التحكم في الخطاب الإعلامي وبذلك التحكم في الرأي العام. فالقانون يجب أن يكفل للصحافة حرية الفكر والرأي والتعبير والنقد والحق في الاتصال ونشر الأخبار. كما يجب أن يحمي الصحافة من تدخل وضغوط الحكومة ويجب أن يحظر على أي جهة حكومية فرض رقابة مسبقة أو لاحقة والتدخل الحكومي في شؤون المؤسسة الإعلامية وكيفية أداء مهامها. هذا يعني أن الممارسة الإعلامية السليمة والمسؤولة والفاعلة والناجحة في المجتمع بحاجة إلى مجتمع يؤمن ويمارس مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء. قوانين الصحافة والنشر والمطبوعات يجب أن تؤكد على الإستقلالية التامة ولا رقابة حكومية مسبقة أو لاحقة على العمل الصحفي وكذلك ضمان حرية الرأي والفكر والتعبيرو منع قبول تبرعات أو إعانات للصحيفة والصحافي. وهنا يجب التأكيد على استقلالية العمل الإعلامي واستقلالية الصحافي وعدم خضوعه لأي إغراءات مادية أو إلى أي نوع من الرشوة. فالصحافي هو ضمير المجتمع وهو الملاحظ والمتتبع والشاهد والناقد، الأمر الذي يلزمه بالتحلى بالموضوعية والمسؤولية والنزاهة والاستقلالية وعدم الخضوع والرضوخ والتبعبة من أجل الكشف عن الحقيقة والوصول إليها. أما بالنسبة لميثاق الشرف الإعلامي فهو مجموعمة من المبادئ والقيم التي يتفق عليها المهنيون في حقل الصحافة حتى يصونوا أنفسهم ومهنتهم وعملهم من أي مشكلات أخلاقية وأي انزلاقات من شأنها أن تسيء للصحافي ولمهنة الصحافة. فالأمر هنا يتعلق بأهمية مهنة الصحافة ودورها الاستراتيجي والحساس في المجتمع. فالصحافي بعمله اليومي يقوم بإخبار وإبلاغ المجتمع بما يحدث وبذلك فإنه يساهم في تشكيل الرأي العام وتقديم الصورة الحقيقية وليس الصورة المفبركة عن المجتمع. وهذا يعني أن على الصحافي أن يلتزم بأخلاقيات المهنة وأن يلتزم بالحرفية اللازمة لمراقبة الهيئة التنفيذية في المجتمع وباقي المؤسسات في القيام بعملها وأدائها لمهامها وواجباتها حسب القانون والقيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع. وتأتي أهمية ميثاق الشرف الصحافي وأخلاقيات المهنة لضمان إلتزام الصحافي بمسؤوليته ورسالته أمام المجتمع بدون أن ينحاز لطرف ضد طرف أخر وبدون أن يتجاهل أو يغيّب الحقيقة على الرأي العام. فهدف الصحافي الوحيد هو أن ينحاز إلى الحقيقة لا غير وأن يعمل ليل نهار في إطار القانون، وأخلاقيات المهنة للوصول إلى الحقيقة وتقديمها لأفراد المجتمع. إن السكوت عن الحقيقة وإخفائها يعتبر جريمة كبيرة في حق الرأي العام والمجتمع. فليس من حق الصحافي أن يركز على قضايا ويتناسى قضايا أخرى، وليس من حقه كذلك التلاعب بالمعلومات وممارسة التشويه والتضليل من أجل إرضاء جهة معينة أو أطراف معينة على حساب الحقيقة والرأي العام. في المرحلة الحالية والظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية يحتاج المجتمع العربي إلى إعلام قوي وفعال ومسئول وملتزم ونزيه. كما أن أية سلطة مسؤولة تؤمن بالديمقراطية وتحترم الحريات الفردية وحرية الفكر والتعبير والرأي والشفافية وإشراك الفرد في صناعة القرار بحاجة إلى إعلام قوي، حر، ملتزم ومسئول. فإعلام الإثارة والصحافة الصفراء والتجني والافتراء والاتهامات الزائفة والباطلة ممارسات أصبحت بدون جدوى. وليعلم الجميع أن الإعلام المارق، الذي أصبح المهيمن والمسيطر هذه الأيام، لا يجني إلا السخرية وعدم الاحترام من قبل الجمهور. فتغطية رئاسيات تركيا والفوز الذي حققه أردوغان من قبل يعض وسائل الإعلام الضالة والمارقة تبقى وصمة عار على جبين المهنة الشريفة التي أصبح بعض ممن يعملون بها بدون شرف مع الأسف الشديد.