14 سبتمبر 2025

تسجيل

فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم

30 يونيو 2014

عاشت أمتنا آلاما لا تكاد تنتهي من أحدها إلا ويلحق بها آخر، وكان سببها جميعا ما دب من فرقة ونزاع وتخاصم وكراهية، فتنازع المسلمون وفشلوا وذهبت ريحهم.وفي لحظات الخطر الشديد، يتناسى الجميع خلافاتهم، ويتحدون تحت هدف واحد، يعملون من أجله، وتسمو المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والجمعية على الذاتية، عندها تصفو النفوس، ويصبح التفكير في النصرة أمرا جماعيا يدلي كل واحد بما يرزق من حسن التفكير ولطافة التدبير، عندها ترى أن كل واحد أخذ مكانه في صف المعركة، لا يعظم من دوره كما لا يستهين به، ويقدر أدوار الآخرين.. بهذه المعاني انتصر المسلمون في معاركهم، ونجحوا في حياتهم.. حتى إذا لاحت بوادر الأمان وظهرت بوارق الغنيمة، فتراهم يسارعون فيها؛ خشية أن يفوتهم شيء منها، وترى منهم من جهز حجته واستحضر ذاكرته ليذكر جهوده في هذا النصر، وقد كان قبل ذلك ناسيا نفسه ولا يفكر إلا في أمر المسلمين جميعا.هذا ملخص الأحداث التي مرت بتاريخ المسلمين في أفراحهم وأتراحههم، في "سرائهم وضرائهم"، على المستوى الفردي والجماعي.وفي أيامنا نرى تشرذما بين المسلمين وإحنا ولدت محنا، وشقاقا أعقبه احتراق، ومن ثم سنقلب في صفحات التاريخ باحثين عن مجالس الصلح بين المتخاصمين وكيفية القضاء فيها، لنتعلم درسا من الماضي يحل لنا مشكلات الحاضر، ويرسم لنا خطى المستقبل في وحدة الصف ولم الشمل.وسوف يجد القارئ في هذه المقالات تشابها بين الحوادث، واستخدام الحيلة والذكاء، كما سيجد أن الإصلاح بين الناس يعتمد على قواعد أهمها عدل القاضي وإرادة الوسطاء الصادقة في الإصلاح، وهذا ما نبه عليه القرآن في قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)- [الحجرات: 9]وهذه الآية فيها قواعد الإصلاح بين الناس، وأراها تتمثل في:أولا: تهيئة المناخ العام للمصالحة وذلك بأن نعت كل طائفة بالإيمان، فقال وإن طائفتان من المؤمنين، وتذكيرهم بالإيمان في حد ذاته كاف كي يعودوا لمبادئ الإيمان التي تقتضي العفو والمسامحة ورد الحقوق والالتزام بمبادئ الإيمان الذي تغلغل في القلوب.ثانيا: أمر المجتمع بألا يقف ساكتا متفرجا تجاه الطائفتين، بل عليه أن يسعى للصلح بينهما، ووضع قاعدة الوساطة ممثلة في الخلاف بين الزوجين، باعتبارهما الأسرة التي تمثل اللبنة الصغرى للمجتمع، فقال: (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)، ثم أكد على أهمية إراد الوسيطين فقال: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).ثالثا: إذا اتضحت الحقيقة بعد تجرد القاضي والوسيط وظهر للجميع أن هناك طائفة تريد أن تبغي على الأخرى استعلاء بقوتها، حينها تكون الفئة الباغية ظالمة ويجب على المجتمع قتالها، ولكن قتال تأديب ورجوع للحق، قتال لا تكفير فيها، قال ابن كثير: "فسماهم مؤمنين مع الاقتتال.. وبهذا استدل البخاري، وغيره على أنه لا يخرج من الإيمان بالمعصية، وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم". إن الإسلام يرد عالما "له نظمه وإجراءاته العملية في مواجهة ما يقع فيه من خلاف وفتن وقلاقل واندفاعات، تخلخل كيانه لو تركت بغير علاج.. وهو يواجهها بإجراءات عملية منبثقة من قاعدة الأخوة بين المؤمنين، ومن حقيقة العدل والإصلاح، ومن تقوى الله والرجاء في رحمته ورضاه" في ظلال القرآن – تفسير سورة الحجرات.فهيا نقرأ معا في مجالس الصلح والقضاء، عسى الله أن يجعل هذه المقالات سببا في إصلاح ما أفسدته الخصومات، والله ولي التوفيق.