17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى لبنان في الرابع من يونيو، شجّع كيري أعضاء مجلس النواب اللبناني على انتخاب رئيس جديد للبلاد، وتعهد بتقديم 51 مليون دولار لمساعدة بيروت على استضافة اللاجئين السوريين، وأعلن أن الإدارة الأمريكية ستسعى إلى الحصول على تمويل إضافي لقوى الأمن اللبنانية. وأضاف: "خلاصة القول أن قيام لبنان آمن ومستقر هو شرط أساسي لقيام منطقة آمنة ومستقرة ". لكن زيارة كيري التي جاءت بعد يوم واحد من "إعادة انتخاب" الرئيس السوري بشار الأسد ووسط الفراغ الرئاسي في بيروت، قد ألقت الضوء فعلاً على غياب الأمن والاستقرار في لبنان. وللأسف، ليس من الواضح ما إذا كانت المبادرات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية ستنجح في منع حدوث المزيد من التدهور.في 25 مايو، أنهى ميشال سليمان السنوات الست من ولايته الرئاسية وغادر قصر بعبدا. ووفقاً للدستور اللبناني، كان يتعين على البرلمان انتخاب رئيس جديد بحلول ذلك التاريخ، لكن «تحالف 14 آذار» الموالي للغرب و«قوى 8 آذار» الموالية لسوريا بقيادة «حزب الله» لم ينجحا في التوافق على مرشح مقبول. وفي غياب الإجماع بهذا الشأن، رفضت الكتل السياسية حضور الجلسات النيابية منذ الاقتراع الأولي في 23 أبريل، الأمر الذي منع اكتمال النصاب القانوني اللازم للتصويت على انتخاب رئيس للبلاد.وبما أن الرئيس اللبناني - الذي هو مسيحي بموجب القانون - لا يملك سوى صلاحيات قليلة، يمكن للحكومة أن تمارس مهامها من الناحية الفنية ولو بخطى متعثرة دون انتخاب رئيس تنفيذي. وهذا ما حدث على سبيل المثال بين 2007 و2008، عندما قام رئيس الوزراء في ذلك الحين فؤاد السنيورة - مسلم سني - بمهام رئيس الجمهورية بالوكالة لما يقرب من نصف عام.إلا أن الإدارة الأمريكية قلقة من أن يؤدي الفراغ الرئاسي إلى تفاقم التوترات بين السنة والشيعة وإضعاف اتفاقية اقتسام السلطة في لبنان. وفي خطوة عكست الممارسات المعيارية المتبعة، لم تدعم واشنطن أي مرشح رئاسي بشكل رسمي. فقد قال الوزير كيري: "هذا الأمر يعود لزعماء لبنان". ومع ذلك لا يزال الانقسام بين «قوى 8 آذار» و«تحالف 14 آذار» حاداً وعميقاً.ويجد «تحالف 14 آذار» مصدر قلق في التجاذب الجاري بين زعيمه سعد الحريري ورئيس "التيار الوطني الحر" والطامح الأبدي إلى الرئاسة ميشال عون، المتحالف مع «حزب الله». وفي الوقت نفسه، بدا أن الانتخابات السورية ومكاسب النظام العسكرية الأخيرة قد عززت من قوة «حزب الله» ونفوذه. والأمر الآخر الذي يصب في مصلحة المنظمة الشيعية هو أن مرشحها المفضل - أي قائد الجيش العماد جان قهوجي - لايزال أبرز مرشح "تسوية".ولا يأتي تفضيل «حزب الله» للعماد قهوجي من قبيل المصادفة، فقد أعرب قهوجي في عدة مقابلات - على سبيل المثال، في محادثة أجراها في أبريل 2010 مع صحيفة "النهار" اللبنانية اليومية - عن استعداده للتنسيق مع «حزب الله»، فضلاً عن تقديره لـ "المقاومة". لكن من السذاجة تصديق ادعاء قهوجي بأن الحزب أعلن "التزامه بالقرارات الدولية، لاسيَّما قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701"، الذي دعا، من بين أمور أخرى، إلى نزع سلاح «حزب الله»".وفقاً للحكومة اللبنانية، هناك اليوم أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، وبما أن عدد سكان البلاد كان يزيد قليلاً على أربعة ملايين نسمة عام 2011، يعدّ لبنان حالياً البلد الأسرع نمواً في العالم، وليس من المستغرب أن هؤلاء اللاجئين يرهقون البنى التحتية اللبنانية، فقد أشارت تقديرات "البنك الدولي" من عام 2013 إلى أن كلفة إعادة "توفير الخدمات العامة اللبنانية ونوعيتها إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة السورية ستبلغ 2.6 مليار دولار.وفي أعقاب أسوأ موسم شتاء جاف مر على البلاد على الإطلاق، فإن صعوبات تأمين مياه الشرب قد تشكل تحدياً آخر، وبالنسبة للاجئين - والكثير منهم لا يستطيعون الحصول على المياه النقية بصورة متواظبة - ينطوي الوضع على مخاطر خاصة. إذ وفقاً لـ "منظمة الصحة العالمية" فإن الجمع بين الأطفال غير الملقّحين والظروف الصحية السيئة يجعل من لبنان عرضة لتفشي مرض شلل الأطفال.وفي حين أن العبء المالي الناجم عن وجود اللاجئين هو بالغ الأهمية، فإن الوقع الاجتماعي البعيد المدى الذي قد يخلفه وجود 1.5 مليون سوري معظمهم من الطائفة السنية على التوازن الطائفي الدقيق ما بين السنة والشيعة والمسيحيين في لبنان يثير قلقاً بنفس القدر من الأهمية. ومن هذا المنطلق صرّح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الأسبوع الماضي أن السوريين الذين عادوا إلى وطنهم ولو بصورة مؤقتة سيخسرون وضعهم كلاجئين. وأضاف درباس أيضاً أن لبنان - التي ليس لديها حالياً مخيمات رسمية للاجئين السوريين - ستعمل على إنشاء مخيمات للاجئين "في سوريا أو في المشاع "المنطقة الفاصلة البرية" على الحدود.خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده كيري في بيروت، قال إن الوضع الأمني في لبنان يشكل "مصدر قلق بالغا للولايات المتحدة". وصحيح أن قلق الإدارة الأمريكية قد يكون صادقاً، لكن السياسات المتبعة لا تعكس على ما يبدو حالة الإلحاح المطلوبة. على سبيل المثال، إن الـ400 مليون دولار التي قدمتها واشنطن لتغطية التكاليف المتعلقة باللاجئين كانت مفيدة من دون شك، لكن المبلغ يعتبر متواضعاً بالنسبة إلى حجم المشكلة. علاوة على ذلك، لاتزال الإدارة الأمريكية عاجزة حتى اليوم عن إقناع الجهات المانحة الأخرى بالالتزام بتقديم المنح بالمستوى المماثل.ولم تكتفِ الصحافة اللبنانية بانتقاد العرض الأمريكي حول المساعدات الإضافية للاجئين بسبب صغر حجمها، بل هاجمت بعنف سذاجة كيري المزعومة بتملقه لـ«حزب الله» وإيران من أجل "انخراطهما في مساعٍ شرعية لوضع حدٍّ لهذه الحرب السورية". وقد بلغ الحد بصحيفة "النهار" الموالية للغرب في عددها في 6 يونيو أن كتبت في افتتاحيتها "من حقنا الاستنتاج أن هذا كلام إحدى جمهوريات الموز، وليس كلام وزير خارجية أمريكا!".لعل هذه المبالغة غير مبررة، لكن نهج الولايات المتحدة تجاه الوضع الأمني اللبناني تبدو فعلاً قصيرة النظر. وفي إطار متطابق مع إستراتيجية واشنطن لمكافحة الإرهاب التي تعتبر أن الإرهابيين السنة - وليس شيعة إيران أو «حزب الله» - هم الذين يشكلون التهديد الأول، يستهدف لبنان مقاتليه السنة. وفي حين تعتبر هذه الطريقة الملتوية استجابة فعالة على المدى القصير بالنسبة للبنان، إلا أن تعاون «حزب الله» مع الدولة و"الجيش اللبناني" ["الوقات المسلحة اللبنانية"] يعزز أمن المنظمة في وطنها ويتيح لها تكريس مواردها لسوريا ويمهد الطريق أمام قيام أسلوب عمل للتعايش في لبنان ما بعد الحرب بصورة تضفي الشرعية على الهيمنة السياسية والاستقلال العسكري لـ«حزب الله». وفي الوقت نفسه، فإن تعاون الجيش مع الميليشيا الشيعية ضد المقاتلين السنة يخاطر تقويض مفهوم حياد "الجيش اللبناني" ويضعف بذلك هذه المؤسسة.والأسوأ من ذلك هو أن «تحالف 14 آذار» يتدهور بسبب غياب إستراتيجية غربية فعالة لتجديد نشاطه، الأمر الذي يزيد من احتمالات انتخاب العماد قهوجي رئيساً للجمهورية. ومن أجل دعم هذا التحالف من المستحسن أن تعمل واشنطن على تشجيع «تحالف 14 آذار» بالتمسك برئيس مقبول لا يكون على الأقل مرتبطاً بـ «حزب الله» أو متعاطفاً معه. وبالمثل، بغض النظر عن الانتصارات الأخيرة التي حققها "الجيش اللبناني" ضد المقاتلين السنة، يجب على واشنطن أن تحذّر بيروت من العواقب المحتملة - ربما من خلال مناشدة الكونجرس بالتهديد بقطع "التمويل العسكري الأجنبي" الذي تبلغ قيمته السنوية 71 مليون دولار - التي قد تنجم عن استمرار هذا التعاون العملاني بين "القوات المسلحة اللبنانية" و«حزب الله».