04 أكتوبر 2025
تسجيلحدث غير مسبوق في العالم العربي، أن يترك حاكم منصبه، وهو في كامل عنفوانه السياسي، وفي قمة نجاحاته الاقتصادية، وفي حالة رضا عام من قبل شعبه تجاه أسلوب إدارته للدولة وسياساتها، وملفاتها الداخلية والخارجية. خروج صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وتنازله طوعا عن سدة الحكم، أمر يحتاج إلى وقفات لقراءة وتحليل تداعياته على الساحتين الداخلية والخارجية وفق منظور استشرافي. وفي الحقيقة، أن أهل قطر قبل غيرهم أثبتوا ولاءهم وحبهم لأميرهم الوالد الشيخ حمد بن خليفة، ودعمهم غير المحدود لخططه المحلية والخارجية، الأمر الذي انعكس على المخرجات والنتائج الإيجابية التي حققتها الدولة، والتي احتاجت بفضل الله، ثم بفضل قيادته الرشيدة إلى مؤسسات ترصد الإنجازات تلو الإنجازات، في زمن كان يعاني العالم حالة من ركود اقتصادي، ومشكلات سياسية، وتحجيم لتأثيرات دول كانت تعد لفترات طويلة، دول كبرى وذات تأثير على العالم. إن خروج صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة من المشهد السياسي حدث غير عادي، لأنه إنسان غير عادي، وقائد فذ غير عادي. فإن حبس أهل قطر آهاتهم في قلوبهم حزنا على ترجل القائد عن عرشه، فهو دليل مطلق على دعمهم لقراراته، حتى وإن خالفت رغباتهم، وعزاؤهم أن من سيحمل رايته من بعده، هو القائد الشاب الذي نهل من علم صاحب السمو الأمير الوالد، وتعلم منه حسن الخلق، وحسن الإدارة وتميزها. لقد فعل صاحب السمو الأمير الوالد خيرا، حتى وهو يستعد للخروج من المشهد السياسي، لأنه أعد فريقا بقيادة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى للتدرب تحت إشرافه، والتعلم منه، وهو يراقب أداءهم، ويوجههم، ويرشدهم، ويبارك خطواتهم، فكان نعم القائد المرشد الذي أعد فريقا لا خوف عليهم في إدارة المرحلة القادمة للدولة. لقد استضافتني عدد من وسائل الإعلام المحلية والخارجية، للتعليق حول حدث تسليم صاحب السمو الأمير الوالد مقاليد الحكم لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد، وكانت معظم الأسئلة حول سياسات قطر في المرحلة القادمة. فكان ردي متوافقا مع رد العديد من المراقبين بأن سياسات قطر ستبقى كما رسمها صاحب السمو الأمير الوالد، وسيتم تعزيزها وتطويرها بالروح الشبابية الجديدة، التي سيتم الدفع بها. فالأمير الشيخ تميم بن حمد ليس غريبا على إدارة قطر، وملفاتها المتعددة، وكانت السنوات الأخيرة كافية لأن يكون جاهزا لإدارة الدولة وتعقيداتها السياسية والاقتصادية، والتنموية، وكذلك علاقاتها الخارجية. إن خطاب الأمير الوالد، والذي وجهه للأمة مودعا إياهم، ومعلنا فيه تسليم الأمانة بكل اقتدار وتواضع، يحتاج إلى قراءة متفحصة، وفيه الكثير من المعالم والتوجيهات، والتطمينات لأهل قطر، والمهتمين بالشأن القطري. ولكن من العلامات الفارقة في خطابه، أطال الله في عمره، هو حالة الوفاء المفرط لفريق عمله، الذي ساعده على إدارة الدولة وملفاتها خلال ثمانية عشر عاما من الزمان. فقدم لهم شكرا خاصا، وكذلك للمؤسسات العسكرية والمدنية الأخرى. ترجل الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، رائد نهضتها الحديثة، ولكن سيبقى في قلوب القطريين، والمقيمين على أرض قطر العمر كله. ترجل القائد الفذ من المشهد السياسي، ولكن الشعوب العربية التي تحمل تبعات نصرتها ومساندتها، والتوفيق بين مكوناتها، ودعمها، حتى أنه سخر ثروة قطر لدعم الاستقرار في الكثير من البلدان العربية والإسلامية التي لن تنساه، وسيبقى دائما في ذاكرتها الإيجابية. كان الأمير الوالد عروبيا في ممارساته، إسلاميا في توجهاته، وطنيا في حبه لشعبه وبلده. عمل سموه، حفظه الله، بكل ما أوتي من قوة، ليترك بصمة إيجابية في كل موقع يكون وجوده ضروريا وهاما فيه. مناقب صاحب السمو الأمير الوالد لا تعد ولا تحصى، ويحتاج أن يقف عندها الباحثون، والأكاديميون، والإعلاميون وقفة عميقة، للبحث في هذه التجربة، والدروس المستفادة منها. فبارك الله في عمرك سيدي صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وجزاك الله خير الجزاء عما قدمت لنا في عهدك الميمون. وأبارك لسيدي صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وأسأل الله أن يعينه على حمل الأمانة، وأن يكمل مسيرة آبائه وأجداده. حفظ الله قطر، وطنا، وقيادة، وشعبا. لقد قدم صاحب السمو الأمير الوالد نموذجا فذا للقائد المسؤول.