10 سبتمبر 2025
تسجيلقبل أيام قليلة سمعنا خبراً مرّ مرور الكرام وسط أخبار الحروب والنزاعات والمآسي حولنا، ولكنني أراه خبراً مهماً جداً في ظل الأحداث الصعبة الحالية وعلينا التوقف عنده لما فيه من دلالات ورسائل وفرص أيضاً. الخبر هو نجاح دولة قطر عن طريق سفارتها في موسكو في لمّ شمل أطفال أوكرانيين بعائلاتهم، في مبادرة وساطة ناجحة هي الثالثة من نوعها. حيث ظهر السفير القطري في موسكو وهو يصافح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاما في مقر السفارة في موسكو تمهيداً لتسليمهم لذويهم. وكان ملف الأطفال الذين تتهم كييف موسكو باختطافهم وترحيلهم بشكل غير قانوني من أوكرانيا قد وصل لطريق مسدود بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق الرئيس فلاديمير بوتين والمفوضة الرئاسية الروسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا. بالرغم من كثرة الدول التي تدعم كييف في دفاعها المشروع ضد الاجتياح الروسي، وعلى الرغم من كل الدعم العسكري والمالي لها سواء من أمريكا أو من الدول الأوروبية، إلا أن كييف تعتمد على قطر بشكل أساسي وليس على غيرها من الحلفاء الكثر في ملف الأطفال المفقودين. والقصة بدأت حينما سلمت كييف، عبر وسطاء قطريين، لموسكو قائمة تضم 561 طفلا تطالب بإعادتهم. وبالفعل أخذ رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني على عاتقه لمّ شمل الأطفال مع عائلاتهم، ونتيجة لشهور من العمل الدبلوماسي والتواصل بين كييف وموسكو تمكنت قطر من تحقيق نتائج ممتازة. وفي ذلك دلالة مهمة على أن هذا الملف يحتاج لوسيط ليس كغيره من الوسطاء، وسيط يملك العلاقات الدبلوماسية الكافية والرغبة الأكيدة في الإنجاز إلى جانب تاريخ من الإنجازات في مجال الوساطة الدولية. فإرسال السلاح سهل، وإطالة أمد الحرب أسهل، لكن التحدي هو إيجاد القنوات المناسبة واللازمة لتحقيق إنجاز على المستوى الإنساني والعاطفي وسط الحروب. حماية النسيج الاجتماعي إن أهمية خبر لمّ شمل الأطفال الأوكرانيين مع أهاليهم ينبع من أهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي والتخفيف من آثار الحرب على العائلات مهما كانت انتماءاتهم وخلفياتهم. الأطفال والنساء هم من الفئات الأضعف التي تعاني من الآثار السلبية للحروب والنزاعات وهي الفئات الأقل حظاً في الحصول على المساعدة والدعم في هذه الظروف الصعبة، كما أن هاتين الفئتين عادة ما تكونان هدفاً لآلات القتل والتدمير. ** اتخاذ قرار الحرب والنزاع صعب على أي حكومة، لكن الأصعب منه هو لعب دور الوسيط بين المتنازعين. والنزاع والحروب على مستوى الدول ينتج عنه ظهور أطراف أخرى تستفيد وتعيش عن طريق دعم هذا النزاع وضمان استمراره، وقلة قليلة من الدول من يعمل على إيجاد حلول دبلوماسية للتخفيف من حدة الصراعات ونتائجها على الشعوب وحتى تحقيق السلم العالمي ودعم مبادرات بناء السلام. سواء كانت أفغانستان أو السودان أو اليمن وأوكرانيا وغيرها، الدور الذي لعبته وتلعبه قطر يعكس التزامها بالعمل الدبلوماسي لتحقيق الاستقرار في المنطقة ودعم السلم العالمي. والدبلوماسية التي تعتمد فيها قطر لتحقيق ذلك يأتي على عدة أشكال أهمها لعب دور الوسيط بين المتنازعين الدوليين من خلال تأسيس أرضية محايدة للمفاوضات مستفيدة من علاقاتها الدولية القوية القائمة على الدبلوماسية الذكية والعلاقات المتينة والفعالة في الأمم المتحدة. وتقديم المساعدة الإنسانية للمتأثرين من الحروب وغيرها من الكوارث من خلال عدة مؤسسات أصبح لها تأثير دولي في هذا المجال مثل الهلال الأحمر القطري وصندوق قطر للتنمية. وتعزيز الحوار والتعاون بين الأديان والتبادل الثقافي لبناء مجتمعات تؤمن بأهمية السلام والتسامح والتعايش السلمي، ونجحت قطر في هذا عن طريق عدة مبادرات مثل منتدى الدوحة وبرامج مؤسسة التعليم فوق الجميع. وفي تأكيد على هذا الدور قال مارتن غريفينث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في مؤتمر الدوحة للأمن الذي انعقد في 19 مايو الجاري، إنه شهد بشكل مباشر دور قطر في ربط مساعدتها الإنسانية بالأولوية الحيوية المتمثلة في حل النزاعات، وأن لقطر دورا قياديا ومؤثرا في حماية المدنيين وتوفير فرصة وأمل للناس في خضم الأزمات والمعاناة. وقطر كانت وجهة غريفث الأساسية للتنسيق معها في أهم أزمة إنسانية في يومنا هذا وهي الحرب على أهل أهل غزة. المستقبل ** ما زالت قطر تثبت قدرتها على إيجاد حلول لأزمات تحولت في عدة مناطق في العالم لكثبان رمل ساكنة لا يستطيع أحد أن يحركها ليحرز تقدماً فيها. بالمقابل ما زال هناك الكثير يمكن لقطر أن تقوم به خدمة للطفل والمرأة في مناطق النزاع حول العالم مثل سوريا والسودان وفلسطين واليمن، فهاتان الفئتان هدف كل من يستهدف هدم النسيج المجتمعي الصحي، وهما تحتاجان لمن يسمع صوتها ويشعر بها ويوفر لها فرصة في العيش الكريم وتضميد الجراح لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.