31 أكتوبر 2025
تسجيليعتبر تنظيم داعش قفزة نوعية في الأدبيات والسلوك العسكري لتيارات الجهاد العالمي، فأصحابه يحملون إيمانا راسخاً يتخطى ما كان لدى أفراد تنظيم القاعدة بمراحل، ومعه تحول تنظيم القاعدة إلى مجرد فكر عابر للحدود، في حين شرع تنظيم الدولة في بناء دولته بكل معنى الكلمة. وقد أثبت التنظيم قدرة فائقة في التخطيط والمناورة والمواجهة العسكرية، إذ لم يفلح التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب في القضاء عليه، وما حققه هو فقط الحد من سرعة تقدمه أو إخراجه من بعض المناطق. ومع بناء دولته، لم يعد داعش تنظيما متطرفاً فحسب، بل بات المهدد الأول لكل دول المنطقة. وعلى الرغم من أنه لا توجد دولة في العالم تريد للتنظيم أن ينجح في تأسيس دولته، والجميع يعلم أن التنظيم هو خطر وجودي عليه، إلا أن سياسة الاحتواء والمواجهة تختلف وتتفاوت من بلد إلى آخر.أحد أبرز أسباب نمو وتمدد التنظيم هو الصراع الطائفي والتأجيج المذهبي، لاسيَّما السني- الشيعي. وكلما اشتد الصراع المذهبي كلما سمح للتنظيم بالتزايد والانتشار. في حين ستشعر إسرائيل براحة تامة لسنوات وربما لعقود قادمة، حيث إن الفكر الداعشي يرى محاربة المرتدين والصحوات من بني الإسلام أولى بكثير من محاربة الإسرائيليين والغزاة الكفرة لأرض الإسلام على قاعدة "المرتد أولى بالقتال من الكافر الأصلي".وإذا نجح التنظيم في إقامة دولة مستقرة نسبيا، فسيصبح نموذجا يحتذى لكل شاب متدين يتطلع إلى إقامة دولة إسلامية، وتتلاشى معه عمليات الجذب لتيارات إسلامية أخرى مثل الإخوان والتحرير والدعوة والتبليغ والسلفيات العلمية. ولنجاح التنظيم في بناء دولته، يتطلب الأمر من منظوره تصفية الأقليات وترحيلها والقضاء التام على كل الفصائل والأحزاب والشخصيات المعارضة وتعميم ثقافة الطاعة والعزل للمجتمع القابع تحت سلطته والشروع بعملية غسل دماغ واسعة لأبناء المجتمع، ما يسهل قيام مجتمع يسعى بكل قوة للحفاظ على أدبيات وطروحات التنظيم وسيعتبرها عين الإسلام الذي جاء به النبي محمد.وإذا لم يتم القضاء على التنظيم خلال السنوات الخمس القادمة، الأرجح أن تذوب فيه كل التنظيمات الجهادية في العالم ممن تنتمي للسلفية الجهادية عقائدياً.الهدف القادم للتنظيم بعد استقرار دولته في العراق وسوريا هي الأردن والسعودية وإيران وتركيا. فهدف التنظيم على المدى البعيد إزالة الحدود الكاملة بين الدول وإسقاط كل أنظمة المنطقة وتوحيدها تحت راية خلافة البغدادي وإنهاء أي مخاطر داخلية قبل التفرغ للعدو الخارجي (اليهودي والصليبي) وهذا يتطلب حاليا القضاء على كل الفصائل السورية المسلحة ضمن مناطق المعارضة وإخضاعها لولائه، ثم يتحول نحو النظام السوري فيسقطه، وهو نفس ما حاول تطبيقه في العراق، ينتقل بعدها للتمدد جغرافيا نحو المناطق الأخرى بنفس طريقة تمدد "بقعة الزيت".تفجيرات المساجد في السعودية هي بداية مرحلة التوسع نحو الداخل السعودي، حيث إن مراحل التمكين لدى التنظيم تبدأ بالمرحلة الأولى (التعرية): التحريض على السلطة ونزع الشرعية عنها دينيا، تليها مرحلة التعبئة: تتمثل في خلق حالة من الغضب والحنق الشعبي على السلطة، وصولاً إلى المرحلة الثالثة (نزع المهابة من السلطان) ويتم خلالها تشكيل جبهات رافضة للسلطة على شكل خلايا تتحرك عسكريا لإسقاط النظام، ثم المرحلة الرابعة (خلق الفوضى الواسعة) وأبرز ما فيه يتمثل في زرع القلاقل وضرب مفاصل الدولة باستهداف الأمن والأسواق ومراكز العبادة بمفخخات واغتيالات لتأليب الرأي العام وإظهار الحاكم أنه عاجز عن ضبط الوضع، وصولاً إلى الاستنزاف التام لكل مؤسسات الدولة حتى يسقط النظام تماما، إما عن طريق انقلاب عسكري أو تظاهرات شعبية تطالب بالتغيير تتمدد لتحول إلى ثورة مسلحة أو أن يتمدد التنظيم بالقضم المستمر للأرض والمجتمع. والسيناريو الذي بدأ في السعودية يفترض أن يتكرر في الدول المستهدفة التي من المتوقع أن نشهد نفس الحالة فيها إذا ما تمكن التنظيم من الحفاظ على وجوده والتمدد نحو تطبيق مخططاته في التوسع.وفي إطار مقاربات لكيفية مواجهة التنظيم، فلا يتوقع العارفون أن يتم القضاء على التنظيم في سنة أو سنتين وقد يحتاج الأمر إلى سنوات في إطار رؤية متكاملة وشاملة وأن تتم على مراحل وفي كافة المجالات، فكريا وفقهيا وسياسيا واجتماعيا. على سبيل المثال بقاء الاحتقان السياسي في مصر أو الانقسام في ليبيا أو الأزمة في كل من اليمن وسوريا سيبقى التنظيم قويا ويتمدد، ثم أن مواجهة التنظيم تتطلب تفاهما وحوارا إقليميا إيرانيا سعوديا تركيا، ومن ثم التعاون الدولي لمواجهة التنظيم على كافة الصعد.