12 سبتمبر 2025

تسجيل

الفرصة الأخيرة

30 مايو 2012

بعد أن فشل مرشحو الثورة بما فيهم مرشح جماعة الإخوان المسلمين في حسم نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، لم يعد أمام مؤيدي الثورة سوى الاصطفاف خلف مرشح الأخيرة الدكتور محمد مرسي وذلك حين يخوض جولة الإعادة ضد مرشح النظام السابق الفريق أحمد شفيق منتصف الشهر المقبل في مشهد هو الأخطر منذ اندلاع شرارة الثورة. وفي هذا الإطار كان من المتوقع أن يتكتل أنصار بقية المرشحين (خصوصا عبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي) تلقائيا في جولة الإعادة لصالح الدكتور مرسي للحيلولة دون فوز مرشح النظام السابق، إلا أن أخطاء جماعة الإخوان خلال الفترة الانتقالية قد دفعت بالكثير من هؤلاء إلى التردد في إعلان دعمهم الصريح لمرشح الجماعة، بل ووصل الأمر بآخرين إلى إعلانهم العزم على ممارسة التصويت العقابي ضد الجماعة ومرشحها، أو إلى إعلان الامتناع كلية عن المشاركة في جولة الانتخابات الرئاسية الثانية. ورغم أن الجماعة قد اتخذت بالفعل عددا من المواقف الخاطئة طوال الفترة الانتقالية إلا أن الخروج بالبلاد من مأزقها التي هي فيه الآن يفرض الوقوف بجانب مرشحها وتأييده فيما يشكل آخر فرصة للحفاظ على الثورة التي قد تلفظ أنفاسها الأخيرة إذا ما نجح مرشح النظام القديم في الوصول إلى منصب الرئيس. ومن جانبها فإن على الجماعة أن تعمل على استعادة ثقة المصريين فيها قبل أن تحاول الحصول على أصواتهم، وهذا لن يتحقق إلا بأن تقدم الجماعة الضمانات الكافية للمصريين لكي تزيل مخاوفهم وتطمئنهم إلى نيتها عدم تكرار أخطاء الفترة الفائتة من عمر الثورة. وهذا ليس ابتزازا سياسيا كما يحلو للبعض أن يسميه، ولكنه الوسيلة الوحيد لاستعادة الثقة بالجماعة بعد أن كشف أداؤها السياسي في الفترة السابقة عن نوايا استئثارية تشبه في بعض الجوانب ما كان يتبعه النظام السابق للبقاء الأبدي في الحكم. ولهذا فإن على رأس الضمانات المطلوبة أن تتعهد الجماعة أنها لن تعيد تجربة الحزب الوطني التي ثار عليها المصريون، خاصة في ضوء ما يردده البعض من استعداده للتصويت للفريق شفيق لأنه رغم عيوبه سوف يرحل بعد أربع سنوات، أما الإخوان فإنه لا يوجد ما يضمن أنهم سيتركون الحكم بعد أن يتمكنوا من مفاصله الرئيسية (الرئاسة والحكومة والبرلمان)، وفي نفس هذا الإطار يتعين على الجماعة أن تتعهد للمصريين بعدم نيتها استبدال قوانين الجماعة بالتقاليد السياسية التي انتخبها المصريون على أساسها، فرئيس مصر القادم ينبغي أن يكون مسؤولا أمام الجماهير التي انتخبته، وليس مسؤولاً أو موجها من قبل سلطة أعلى منه لم ينتخبها المصريون (كالمرشد العام مثلاً). من المهم أيضا أن يتم تفعيل الشعار الإخواني "مشاركة لا مغالبة" على نحو حقيقي، وبخاصة بعد أن تبين للجماعة أن المغالبة لا مكان ولا إمكانية لها، وأن حضور الإخوان الفعلي في الشارع المصري لا يتجاوز بأي حال ربع الكتلة التصويتية، وإنهم إن نجحوا في الوصول إلى منصب الرئاسة فإنهم سيصلون إليه بأصوات غير المنتمين للجماعة، فأصوات الإخوان جميعها لم تضمن لهم الفوز بأغلبية تغنيهم عن الدخول في انتخابات إعادة مع مرشح النظام السابق، والذي تمكن للغرابة من الحصول على عدد من الأصوات يقارب كل ما استطاعت جماعة الإخوان حشده. كما أنه من المهم أن تعي الجماعة جيدا أن الإصلاح عمل تقوم به الجماعة الوطنية مجتمعة ولا يقوم به فصيل بمفرده مهما كانت قدراته أو إمكاناته. وعليه فإن دخول الإخوان إلى قصر الرئاسة لابد وأن يكون عبر صيغة مشاركة في السلطة مع القوى الوطنية الأخرى وليس دخولا انفراديا. من المهم أيضا أن تعيد الجماعة النظر في خطابها الجماهيري والذي يحتمي في كثير من الأحيان بالنصوص المقدسة ليقيم حاجزا بين الجماعة وبين أي نقد يوجه إلى أدائها، (كما حدث عندما تراجعت الجماعة عن قرارها عدم ترشيح رئيس للجمهورية وتم تبرير هذا القرار السياسي من خلال صياغات دينية بدا معها التراجع عن المواقف كما لو كان شعيرة دينية مقدسة)، بحيث لا يستشعر المصريون أنهم سيقبعون تحت حكم فصيل سياسي يستخدم المرجعية الإسلامية على نحو تبريري. ويرتبط بهذا أن تعترف الجماعة بأخطائها طوال الفترة الانتقالية والتي يأتي في مقدمتها توانيها عن الانحياز لصف الثورة والثوار في العديد من المناسبات تغليبا لمصالح الجماعة الضيقة وترتيبا على صفقات غير معلنة مع جهات كان يضيرها استمرار المناخ الثوري. إن استعادة الإخوان لثقة المصريين عبر تقديمهم ضمانات ملزمة يمثل الفرصة الأخيرة لهم كما قد يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ الثورة المصرية، وليس في تقديم هذه الضمانات أي إساءة للإخوان بل قد يكون في هذا الوضع لطف قدره الله سبحانه للمصريين وللجماعة في آن واحد، وذلك لكي يأتي الإخوان حين يأتون إلى السلطة وهم يعرفون فضل هذا الشعب عليهم، ويعترفون له بذلك على نحو عملي. فالمقولة التقليدية التي اعتاد أن يرددها نواب الإخوان في أعقاب الانتخابات البرلمانية من "أن الشعب هو الذي أتي بنا وأنه لا يملك أحد أن يحاسبنا سوى هذا الشعب"، هذه المقولة قد أصبحت بحاجة إلى مراجعة، خاصة بعد أن تبين أن الشعب لن يحسم أمر المجيء بالإخوان إلى منصب الرئاسة خلال الأيام المقبلة إلا وفق صيغة مشارطة وضمانات موثقة، وبعد أن ثبت أيضا أن قطاعا يعتد به من هذا الشعب يملك من الجرأة أو الشطط ما يمكنه من أن يصوت لمرشح النظام السابق، لا لشيء إلا ليعاقب الإخوان إن هم أبوا أن يزيلوا مخاوفه عبر ضمانات ملزمة لا مجرد وعود لفظية يمكن التنصل منها في أي وقت.