12 سبتمبر 2025

تسجيل

حرية الصحافة.. مسؤولية الجميع

30 أبريل 2016

"تتيح الصحافة الجيدة للمواطنين اتخاذ قرارات مستنيرة من أجل تنمية مجتمعاتهم. وتعمل على كشف الظلم والفساد واستغلال السلطة. ولأجل ذلك، يجب تمكين الصحافة من الازدهار في ظروف مواتية وأجواء آمنة تتيح للصحفيين العمل باستقلالية وبدون تدخل لا مسوغ له في عملهم". يحتفي العالم في الثالث من مايو كل عام بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييم ما تحقق للصحافة من نجاحات وإنجازات وما واجهته من متاعب ومعوقات وقيود في العالم، وحماية وسائل الإعلام من الاغتصاب، وتكريم الصحفيين الذين فقدوا حريتهم أو حياتهم في ممارسة مهنتهم. فالكلام عن الديمقراطية والحكم الراشد من دون حرية الصحافة يعتبر كلاما خاويا وبدون معنى ومجرد شعارات جوفاء. القانون على الورق شيء وتطبيقه في الواقع شيء آخر، والشيء نفسه بالنسبة لميثاق الشرف وأخلاقيات المهنة والعمل الصحفي. فالأخلاق هي قناعة شخصية وممارسة يومية نزيهة ونظيفة يؤمن بها الصحفي ويعمل بها ويدافع عن مبادئها. وإذا غابت القناعة والإيمان بالأخلاق فمواثيق الأخلاق لا تستطيع أن تغّير أشياء كثيرة في الميدان. فالقوانين والمواثيق لا قيمة لها إذا لم تطبق وإذا لم تجسد في أرض الواقع. فالإعلام القوي والملتزم والفعال يحتاج إلى الإطار التشريعي والقانوني والأخلاقي من جهة، ومن جهة أخرى يحتاج كذلك إلى بيئة ملائمة ومجتمع مدني قوي وفعال لممارسة حرية الصحافة وحرية الفكر والتعبير. فالإعلام هو مرآة المجتمع يعكس ما يحدث فيه وهذا يعني أن المجتمع بأسره من الفرد إلى الأسرة إلى قمة هرم السلطة مطالب بالإيمان الراسخ والاقتناع بحرية الصحافة، وبالرأي والرأي الآخر وبالنقد والنقد الذاتي. مجتمع يؤمن بتداول المعلومة وتوفير المعلومة من دون حجبها والمساومة بها. حرية الصحافة سلوك وفعل وتصرف قبل أي شيء آخر، وهي ممارسة في الميدان وتجسيد للقوانين والمواثيق. باختصار هي ثقافة وأسلوب حياة. ممارسة حرية الصحافة تتطلب الفصل بين السلطات وتحتاج إلى مجتمع مدني فعال وقوي وهذا يعني قوى فاعلة في المجتمع تنتقد وتراقب وتمارس حقها في المعرفة والتعبير عن الرأي والرأي الآخر والاختلاف... إلخ.. المجتمع المدني هو القوة الحقيقية في المجتمع التي توفر الجو المناسب والمناخ الملائم للمؤسسات الإعلامية حتى تقوم بمهامها ودورها ووظائفها في المجتمع على أحسن ما يرام. وهذا يعني أن هناك كتابا ومحللين ونقادا وسياسيين وجمعيات واتحادات ونقابات من مختلف التيارات والأطياف كل بطريقته وحسب اختصاصه يساهم في الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من شأنه بناء فضاء حر وديمقراطي، الكل يساهم فيه والكل يستخدم المؤسسات الإعلامية كقنوات لتبادل الأفكار والآراء ووجهات النظر. حتى تُجسد حرية الصحافة في أرض الواقع هي بحاجة إلى تشريعات وقوانين ومواثيق، لكن هذا لا يكفي فالأمر يتطلب ممارسة هذه الحرية من قبل الجميع. وعلى رأس القائمة السلطة نفسها، فالسلطة لا يجب أن تقنن لحرية الصحافة وتوفر المناخ التشريعي والقانوني لهذه الحرية، لكن نجدها هي الأولى التي تخترق مبدأ الحرية حيث إنها لا تتقبل النقد ولا توفر المعلومات كل المعلومات بل تقدم ما يحلو لها وتحجب ما يزعجها أو ينتقدها أو يكون ضدها. وأكثر من هذا نجدها تفرض سيطرتها على المؤسسات الإعلامية بطرق مختلفة لتتحكم في مخرجاتها وفي الخطاب الإعلامي، وفي هذه الحالة تبقى القوانين والتشريعات والمواثيق حبرا على ورق.فالتغطية الدقيقة للأحداث والوقائع والقضايا تحتاج إلى توفر المعلومات وتداولها بكل حرية وبدون تكتم أو تعتيم وبشفافية عالية وللجميع وهذا ما يسمح للصحفيين بالقيام بعملهم بدقة متناهية ويساعدهم على تجنب الأخطاء والهفوات واللجوء إلى التضخيم والتخمين والإشاعات. فمصادر الأخبار يجب أن تؤمن بحرية الصحافة وبحرية تداول المعلومات حتى يستطيع الصحفي القيام بعمله على أحسن وجه وتجسيد حرية الصحافة في أرض الواقع. وهنا يجب أن نطرح إشكالية محورية عندما نتكلم عن حرية الصحافة وهي علاقة الصحفي بمصادر الأخبار وهل هناك قوانين تجبر مصادر الأخبار – وزارات، دوائر حكومية، مؤسسات عامة خاصة - على توفير المعلومة وتقديمها للرأي العام وعدم حجبها أو إخفائها أو التلاعب بها لأن هذا التصرف يعتبر جريمة ومخالفة في حق القانون. هل يعاقب القانون الجهة التي تخفي المعلومة أو تتلاعب بها؟ ففي الكثير من الأحيان توصد الأبواب في وجه الصحفي، وفي أحيان أخرى يهان ويشتم ويطرد من موقع الحادثة؛ وإذا كتب الصحفي بالإيجاب والمدح والتسبيح فيُشكر ويُكرم أما إذا انتقد وكشف العيوب والتجاوزات فيصبح العدو اللدود ويصبح المفتري ويصبح صاحب الإثارة والمشكلات والتجاوزات. ففي ظل هذه الذهنية وهذه العقلية وهذا المناخ غير الصحي وغير السوي فإن القوانين والمواثيق لا تشفع لصحافة حرة، قوية تلعب دورا فعالا وملتزما ومسؤولا في المجتمع. حرية الصحافة في المجتمع ليست مسؤولية الصحفي وحده ولا المؤسسة الإعلامية وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع خاصة السلطة ومصادر الأخبار والمجتمع المدني. فإذا كانت السلطة تريد صحافة حرة لكن من دون نقد وبدون مراقبة وبدون كشف العيوب والسلبيات وبدون استقصاء التجاوزات والغوص في القضايا الحساسة في المجتمع؛ فهذا يعني أن الحرية هنا مفصلة وفق مصالح فئة على حساب المجتمع. وإذا كانت الجهات المختلفة في المجتمع ترحب بصحافة التمجيد والتهليل وذكر الإيجابيات وتعتبر كل ما ينتقدها أو يكشف عيوبها هراء وافتراء وخروجا عن القانون ففي هذه الحالة يبقى الكلام عن حرية الصحافة وعن قانون النشر والمطبوعات ومواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة مجرد شعارات جوفاء.من جهة أخرى نلاحظ أن الفضاء العام بحاجة إلى كل القوى المختلفة والفاعلة في المجتمع للمشاركة فيه وإثرائه، وهذا يعني إتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن آرائه وأفكاره ومعتقداته. فمنع كتاب معينين أو جهات محددة من الكتابة أو المساهمة في المؤسسات الإعلامية أو الفضاء العام يتناقض جملة وتفصيلا مع مبدأ حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير والفكر. فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، والاختلاف في الرأي هو في الحقيقة ثروة تساهم في عملية الوصول إلى الحقيقة عن طريق الحوار والنقاش وتوفير السوق الحرة للأفكار ومن ثم الرأي السليم. فالجميع يجب أن يؤمن في آخر المطاف ويتبنى حرية الصحافة قولا وفعلا، أي ليس على مستوى القوانين والمواثيق فحسب، وإنما في الممارسة كذلك، ابتداءً من الفرد إلى الأسرة إلى المؤسسة والسلطة. فإشكالية حرية الصحافة مطروحة في جميع دول العالم، والكل يتغنى بها لكن الممارسة تأتي في حالات كثيرة على عكس الأقوال والقوانين والمواثيق؛ حيث تغتصب حرية الصحافة من قبل السلطة ومن قبل المتلاعبين بالعقول ومن قبل أباطرة المال والسياسة الذين يعملون من أجل السيطرة على وسائل الإعلام للتحكم في عقول الجماهير، وفي الوقت نفسه يتغنون بقانون الإعلام وبمواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة وبحرية الصحافة. من أكثر الأشياء ضررًا بالتنمية هو قتل الصحفيين ففي السنوات العشر الماضية قتل أكثر من 1100، ما يعني أنه من غير الممكن أن نتحدث عن الحكم الرشيد والديمقراطية والرأي والرأي الآخر في ظل التصفية الجسدية وإرهاب القائمين على الصحافة.