12 سبتمبر 2025

تسجيل

ديننا.. وخُلق التضامن الاجتماعي

30 أبريل 2012

نحن كأفراد مدينون في حياتنا للجماعة التي تعيش بين أظهرنا، فلولا رعاية الأبوين للطفل الوليد، ولولا عناية المعلم بالتلميذ، ولولا وجود هذه المهن التي تقوم بكل ما يحتاج إليه الإنسان من شؤون معيشته، لولا هذا كله لما استطاع الإنسان أن يعيش آمنا على نفسه، والحضارة الخالدة هي التي تحمل أبناءها على الشعور بشعور الجماعة.. وليست الحضارة ولا المجتمعات إلا أثراً بارزاً من آثار الديانات في توجهها للأفراد والجماهير.. ومن الحق أن الإسلام يحتل مكان الصدارة بين الديانات التي تدعو إلى التعاون.. حيث تقوم عقيدة المسلم على أن الله واحد، وأن هذه العوالم كلها مخلوقة لإله واحد، وإن الإنسان مرتبط مع هذه العوالم برباط العبودية والحاجة إلى الله، وأن عالم الحيوان مثل عالم الإنسان، وأمم أمثالنا نحن أبناء الإنسان (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم)، "الأنعام: 28". ثم يقرر الإسلام صلة الإنسان بأخيه الإنسان صلة نفع وتعاون بصرف النظر عن دينه ولغته وجنسيته.. يقول تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، "الحجرات: 13"، وتقوم آداب الإسلام على اعتبار التعاون بين الناس أساسا لهذه الآداب، فروح الشريعة مكارم الأخلاق، وروح مكارم الأخلاق هو التعاون مع الناس على الخير، وإسداء النصح والمعروف لهم.. والقاعدة التي تبنى عليها الأخلاق في الإسلام هي قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، "المائدة: 3"، وإنه لجميل أن تعرف أن البر والتقوى إنما هما كل عمل فيه خير لنفسك وخير للناس، وارجع إلى الآية 177 من سورة البقرة وسترى تحديداً للبر والتقوى بأنهما الإيمان، والإنفاق على الطبقات العاجزة في المجتمع، والعبادة والزكاة، والوفاء بالعهد، والصبر على الشدة.. وهذه حدود البر والتقوى التي أمرنا الله بالتعاون عليها. وتقوم العبادات في الإسلام على فكرة التعاون الاجتماعي بين المؤمن وبين الناس جميعاً.. فهذه الصلاة.. إنها عملية تطهير وإعداد.. تطهير الإنسان من كل آثار الانعزالية والقسوة والغفلة.. وإعداد له ليتحلى بكل خلق اجتماعي تعاوني فيه للناس جميعا فائدة ونفع.. يقول تعالى في فوائد الصلاة: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، "العنكبوت" 45". فهذه الصلاة هي التطهير من كل خلق ذميم.. وهذا الصوم إنه عملية تطهير وإعداد أيضاً.. تطهير من القسوة والبخل واللغو والعبث والكذب.. وإعداد للصائم ليتحلى بكل ما يحببه إلى الناس من تعاون وبر ورحمة ووفاء وشعور بآلامهم في الحزن والشدة والرخاء.. وهذا الحج اجتماع وتعارف، ولقاء وتعاون.. إنه تطهير وإعداد أيضا.. تطهير للمسلم من كل آثار الأنانية والرخاوة والترف.. وإعداد له على روح التعاون والاجتهاد والتحمل لشدة العيش وشظف الحياة. وهذه الزكاة، هي معجزة الإسلام في تشريعه الاجتماعي العظيم.. وهي سر بقاء المجتمع الإسلامي مئات السنين متماسكا. كانت روح الفرد هي التي تسيطر على كيان الجماعة، واستمر الأمر هكذا في أكثر أنحاء العالم وخاصة في العالم الغربي حتى أواخر عصر النهضة.. وجدير بالملاحظة أن الغرب حتى القرن التاسع عشر لم يعرف فكرة التكافل الاجتماعي، فانظر ما أعجب شأن الإسلام الذي قرر مبادئ التكافل الاجتماعي منذ القرن السادس. لقد أعلن الإسلام أن الناس متكافلون في الحياة.. وأن على المجتمع حكومة وشعبا أن يرعى أبناءه العاجزين عن الكسب.. فلهؤلاء حق في أموال الدولة: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، "المعارج: 24-25"، واليوم ونحن في أشد الشكوى من سوء أوضاعنا الاجتماعية، هل لنا أن نخاطب الشباب ليذكروا هذا الخُلق الذي وضع دينهم أساسه قبل أربعة عشر قرنا.. خُلق التضامن الاجتماعي والشعور بروح الجماعة.