23 سبتمبر 2025
تسجيلفي كلمة جامعة مفيدة وخطاب سياسي إنساني متميز تحدث الرئيس التونسي المنصف المرزوقي عن الثورة التونسية التي بدأت بهبة التغيير وافتتاح الربيع العربي بكل تضحية وإصرار حتى اضطرت الديكتاتور ابن علي أن يهرب في جنح الظلام خوفاً من بطش شعبه الذي أراد الحياة حرة أبية بعد عهد الاستبداد والاستعباد، ومع الانفتاح بكل شفافية على الحضور الغفير الذي غصت به القاعة في الدوحة وضجت جنباتها بالهتاف الحار كلما وقف المرزوقي عند فكرة أو عالج تحديا مما يعترض الثورة في تونس من الكيد تارة والتآمر أخرى لإجهاضها بدا الرجل مطمئناً غاية الاطمئنان عليها، منوهاً بإيجابياتها محاولا النقد البناء لأي سلبية بعدها داعياً إلى مؤتمر وطني يشترك فيه كل من له رأي معارض مباشرة مرحبا بجهد الجميع لبناء وطن الحرية والقانون دون التشنج أو الإقصاء أو العودة إلى تصفية حسابات قديمة لا تؤدي إلا إلى خلخلة اللبنات وتهديم البناء الشامخ المنشود، لقد أعجبني في الرجل إقناعه بالمقال والمثال ثم كان منه تصريح مهم بعد يومين حين أعلن أنه لا خلاص للمأساة في سورية إلا بإعطاء بشار الأسد صلاحياته إلى نائبه تمهيداً لنقل سلس للسلطة وحقنا للدماء إذ لم يعد الشعب السوري يتصور أن يبقى الأسد له رئيسا أقول: لقد صدق المرزوقي في مشاعره حيال الشعب البطل ولكن الحقائق والقرائن المعروفة في الماضي والحاضر تدل دلالة قاطعة على أنه من المستحيل أن يفعل بشار ذلك كما فعله الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لاعتبارات خاصة وعامة بات يعرفها الجميع وإن أهل سورية هم أدرى بمن في ديارهم، كما أن أهل مكة هم أدرى بشعابها وبمن فيها كما يقولون. وإننا نذهب إلى أن التحليل النفسي لشخصية زيد من الناس هو الذي يضعنا على سكة معرفته وليس التحليل السياسي فقط ولا ريب أن هذا من مسلمات علم الإدارة في النفس والمجتمع وهنا يجب ألا ننسى أن بشار الحاكم الفردي الذي ثبت لدى من عرفه جيداً أنه لا يقبل النصيحة وأنه يقول ويفعل خلاف ما يقول وأن الالتزام بالطاعة ولو لمصلحة الوطن شاق عليه جداً، ولذلك فإننا نرى أنه لابد من سبر عقلية بشار وممارسات أعماله وسلوكه على الواقع وكذلك العقليات الأمنية في هذا النظام المتخلف المتوحش الذي لا يعرف للإنسانية أي معنى، فالأخ المرزوقي عرف شيئا وغابت عنه أشياء، فالتحليل النفسي السيكولوجي الذي نقف عنده يعلمنا مثلاً أن طبيعة الكبرياء والغطرسة والفوقية التي كان حافظ الأسد والده يتحلى بها هي نفسها التي انتقلت إلى الابن الذي صرح إبان الاحتجاجات أنها إذا قامت وتفاقمت فسوف ينجز ما أنجزه أبوه في مدينة حماه عام 1982 بقتل عشرات الآلاف وتخريب ثلثي المدينة وتهجير أكثر ساكنيها، وقد فعل ذلك وما يزال، فالهجمة التي تمت بالقصف العنيف بالمدافع والصواريخ والضحايا الهائلة أكبر دليل على ذلك اليوم. وإحراق الأطفال وما فعله صاروخ كراد من دمار كبير وقتلى وجرحى وهكذا فالابن لا يخفي أخطاء أبيه بل يفعل مثلها وكأن هذا ما يتربى عليه من يؤيده ممن كتبوا على صفحات التواصل منذ بداية الأحداث أننا إذا قمنا بثورة ضد بشار ونظامه فسيفعلون حماه ثانية كما فعلوا بها المرة الأولى، وإن ننسى فإننا لن ننسى دفن الفتى وهو حي، حيث ضرب وطعن وأجبر كي يقول لا إله إلا بشار فرفض ورفض فتم دفنه حيا، وهنا تذكرت أن هذه الجريمة تحدث مع وجود المراقبين الدوليين الذين هم بحاجة إلى مراقبين وأنهم لإطلاق النار لا لإيقاف إطلاقه بل لما قال الناشط صالح الحموي من الثورة لأحدهم لماذا قتل المتظاهرين وبوجودكم! أجابه: أوقفوا التظاهر لا يقتلونكم! بل لما استفحل الأمر في حماه جراء هذه المذبحة المروعة لم تعلق هيلاري كلينتون إلا بقولها: إنها قلقة لما يحدث وهكذا فإن معظم المجتمع الدولي يمنح هذه العصابة الفرصة تلو الفرصة لمزيد من القتل فتباً لهم من مروجين لحقوق الإنسان وهم الذين يقتلونه بشكل أو بآخر حفظا على مصالحهم وأمن إسرائيل التي ما زالت تراهن على بقاء نظام يحرسها ويقتل شعبه. ولذلك فيجب ألا نغفل أبداً في التحليل النفسي كل عادة ونمط يكتسب من الأب للابن حتى لو كان هذا الابن متعلما وطبيبا، فالطبيب من يطبب نفسه أولا وإن أبا واحدا جديرا خير من عشرة معلمين كما يقول جان جاك روسو أو كما يقول المثل الفيتنامي إن الأب الحنون يكون مشعلا للأجيال، فالحاكم والملك والرئيس إذا لم يكن بهذه المثابة فإنه يضر نفسه وشعبه كما قال سهل بن هارون إذا أنت عشت دون أن تكون أبا فإنك ستقضي دون أن تكون رجلا، وهكذا فالطبع غلاب، وكيف يطمئن الشعب السوري لبشار ومن معه بعد أن سقطوا في الاختبار ولم يفهموا إلا الانتقام الذي هو عدالة الهمجيين، كما يقول فرانسيس بايكون ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقم إلا عند انتهاك حرمات الله، فأين الإنسانية وأين العدالة، ولذا أفلح من قال: حاكم بلا عدل نهر بلا ماء أو كما قال باسكال القوة بلا عدل هي الطغيان بعينه. إننا نقول لأخينا الرئيس التونسي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا جميعها أهون عند الله من دم سفك بغير حق، بل إن الإسلام قد حرم حتى مجرد الإشارة بالسلاح وبين علي رضي الله عنه أن آلة السياسة سعة الصدر وأن الحرب ورطة المتهور وإذا كان سليمان الذي ورث الحكم عن داود عليهما السلام قد اهتم ألا يطأ جيشه نملة فما بال بشار الوريث يقتل ويذبح ويمثل ويعتقل ويهدم ويحرق حتى المقدسات ويعتدي على الأطفال والشيوخ والنساء ويسرق جنوده ممتلكات الناس بشكل فظيع، هل يكون هذا المراهق أهلا لحكم شعبه، وقد وأدهم في حريتهم وكرامتهم فلا غرابة أن يدعى مجرما، فالمجرم كما وصفه سعد الله الجابري هو من يعتدي على سلامة الناس وحرياتهم، ولكن كما قال رولان أيتها الحرية كم جريمة ترتكب باسمك! ومع هذا الليل الحالك فإن شعبنا البطل قرر أن يصدح دوما كالبلبل الذي هو بطل الحرية، فالحرية هي الشمس التي يجب أن تشرق في كل نفس كما قال المنفلوطي فيا أخانا المرزوقي لتعلم أن ثبات شعبنا وصموده هو الحل الوحيد وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ومن له الإرادة له القوة وهو وحده صاحب الضمير الحي أمام عصابة لا ضمير لها.