25 ديسمبر 2025
تسجيلعلى بورسعيد مسحة من حزن تجعل السائر في شوارعها يستشعر فرقا موجعا بين الشوارع الفرحانة زمان والشوارع الواجمة الآن، اتجول في شوارع المدينة أرى كسادا ملحوظا وصدورا ضاقت بانتظار الفرج، الغلاء مسعور بشكل ما كان يوما، والأعصاب تستثار لأتفه الأسباب، لا بيع ولا شراء، أصبحت (بورسعيد) بور حزين كما قال أبو العربي، الحزن يمشي مع الناس في الطرقات وقد ضاقت سبل العيش وضاع الأمان، وسادت البلطجة في بلد كان يهرب الناس اليه يلتمسون هجعة راحة وأمان، تبدد كل جميل ليمشي مع السائرين حزنهم، وقد عجزت أياد كثيرة عن كسب قوت يومها. سريعا تركت بورسعيد، المدينة الحزينة الى القاهرة، في الطريق لم تخطئ عيني كم البنايات المخالفة التي اغتالت المساحة الخضراء، زمان كانوا يبنون خلسة دورا أرضيا في قلب الزراعات لا تكاد العين تراه، ما رأيته كانت عمارات عالية على طول الشريط المزروع، وكأنها فجأه ارتفعت كنبت شيطاني أثناء الفوضى العارمة التي شغلت البلاد والعباد في أجرأ حالة بلطجة مارسها الفساد على الأرض، ولتخسر مصر ثلاثة أفدنة كل ساعة من أخصب الأراضي الزراعية التي لا يمكن أن تعوض. أخذت طريقي الى (ميدان التحرير) مع صديقة تراجع للحصول على الجنسية لأبنائها، في الطريق ركضت الذاكرة بالشريط المأساوي الذي مر بنا خلال الثورة، حيث شحنت نفوسنا بصور القسوة التي عاملت بها فصائل من الشرطة الشعب الموجوع، خاصة عربات دهس المتظاهرين وقناصة الأسطح، وقناص العيون الذي أشعل نار الغضب في قلوب المصريين فجعلهم حانقين على أجهزة الشرطة كلها دون فصل. وكرهنا الشرطة كلها دون تمييز، وناصبناها العداء ايضا دون تمييز، وكتبنا نكيل لهم اللوم والتقريع، وأوقع الشعب هيبة الشرطة مع سبق الاصرار والترصد، ورفضنا المصالحة أو مجرد الاقتراب من المسامحة لان بيننا وبين أجهزة الشرطة دم أبنائنا! الشريط يركض والسائق يركض بنا، في سهو منه دخل في شارع خطأ فحاول استدراك الأمر بأن عاد عكس السير ليتمكن من تصحيح وضعه، نهرته قائلة (كده غلط ممكن تضربنا سيارة مسرعة أو تخالفك أي سيارة شرطة خلي بالك)، اذهلني ان يرد بمنتهى اللامبالاة (شرطة مين، الشرطة تخلي بالها من نفسها)، أدركت لحظتها ان الشارع هو من يقوم بالفوضى ويستخف بالقانون، ويستحق أيضا العقاب! المهم تنفسنا الصعداء بنزولنا من التاكسي، وكان علينا ان نمشي مسافة لنصل الى (مجمع التحرير)، طالعتنا خيم كثيرة أشكال وألوان، وشعارات أكثر لمؤيدي الشيخ (حازم أبو اسماعيل) الذي قال لهم انفضوا فلم ينفضوا ليمتلئ مدخل التحرير بزحام يعرقل مهمة الداخلين الى المجمع. أما ذهولي فكان لما رأيت على الصفين مفروشا ومعلقا، كل ما يتصوره المتسوقون موجود، ورق عنب، بط، بتي فور، كعك، كبيبه شامي، فراخ متبلة، (مونبار) وكمان سمك، وكل المعروض مغلف في أطباق ومرصوص على الارض وأمامه شابة تنادي على المارة وتقنعهم بأن المعروض (عمايل بيتي)، غير الأكل لعب وملابس أطفال، قمصان نوم، بلوزات، تشرتات، (نصبة شاي)، ووسط كل هذا المولد بياع العرقسوس يضرب صاجاته ويلعلع بصوته الجهوري (اشرب السائع). تمهلت أفحص الوجه الآخر للثورة وحالة (السبوبة) لبائعين يريدونها (والعة) دائما فمن جمهور التحرير يسترزقون. مين يكسب مش مهم، الاهم أن تباع معروضاتهم، وفي هذا الزحام رجال محترمون يلعنون ويسبون المتجمهرين الذين يعطلون سيرهم الى مبتغاهم بينما الشرطة تفحص حقائب السيدات الداخلات الى مبنى المجمع، انتهينا من التفتيش، بعد السؤال وصلنا الى المكتب المختص لتسأل صديقتي لماذا تأخر ابنها في الحصول على الجنسية رغم ان اخوته حصلوا عليها، هناك كان يجلس برتبته اللافتة ومكتبه المتواضع، جلست الاحظه وفي مخيلتي كل ما يوجعني من جهاز الشرطة وناسه، كان وجهه يخاصم الجهامة والجمود المعتاد بابتسامة خفيفة يرد على التحية ويوجه السائل الى مبتغاه، كثيرون كانت مشاكلهم عويصة كان يحاول بصبر لافت افهام السائل ما الذي عليه فعله ليسهل الأمر عليه، في ذات الوقت تتوافد موظفات شباك المراجعة ليسألنه ماذا يفعلن في أوراق ناقصة، أو معلومات مطلوبة، لم يكن يعسر كان ييسر على الناس ويحاول قدر امكانه المساعدة بغية التخفيف عن المراجعين، لم الحظ أنه فرق بين المرسل اليه من اللواء فلان الفلاني وبين الداخل اليه من الغلابة الذين ليس لهم لا لواء ولا حتى عسكري، وبين فترة وأخرى وكلما خفف عن عجوز او مسن أو جاهل، ارتفع له دعاء يقشعر له البدن من فرط صدقه، وطوال جلستي عنده لم الحظ تبرمه، أو ضيقه، لم ألحظ تكشيرته أو تذمره، كان يتابع عمله دون تأفف من انهمار المراجعين بنفس الأسئلة بل باتساع صدر ملحوظ، وبابتسامة راضية، خرجت وصديقتي من مكتبه وقد غسل برحمته، ولطفه، وصبره، كثيرا من حنقي وضيقي من شريط الثورة الدامي، حقيقة استشعرت امانا كنت أحسه مهاجرا، احسست انني كنت أمام رجل من رجال الشرطة الذين يحبون هذا الوطن بكل ما في قلوبهم من صدق، وكل ما في وجدانهم من اخلاص، وكل ما في نفوسهم من انتماء، تركت مجمع التحرير، بضجيجه، كما تركت خلفي صراخ بائعي البيض، والسميط، والبطاطا، والترمس، واللب، المنتشرين في الميدان وبذاكرتي علقت صورة رجل طيب يحمل رتبة كبيرة وقلبا اكبر، اسمه (محمد شاكر) شكر الله له. * طبقات فوق الهمس * تحية باسقة واجبة لكل ضباط الشرطة والجنود الذين يتوالى استشهادهم كل يوم خلال اكمنة القبض على البلطجية والخارجين على القانون لضبط الأمن. * عندما تنفرد بلقب (جرئ في الحق) تستحق تحية باسقة. *هناك دائما بشر يجعلوننا نؤمن بأننا الذين نعطي الاحلام لونها، والدنيا فصولها، والطقس جماله، والربيع بهجته، الغريب انك قد تفتقد هؤلاء البشر عمرا طويلا ثم صدفة على قارعة شارع الحياة تلتقيهم. * اذا كنت تجيد قراءة أحزان من حولك عبثا تستطيع أن تشعر بالفرح! * قادة شعوب (الخريف العربي) سرقوا قدرة الناس حتى على الفرح! * الذين يتصارعون على الكراسي اشبه بقنافد تمد أشواكها في كل اتجاه لتدمي الآخر حتى ما عاد مكان دون وخز. السؤال..هل يفكر الفائز بالكرسي ماذا سيقدم لوطن جريح ينزف أم أن الأمر والغاية كانت الكرسي. *عندما زار فضيلة المفتي علي جمعة القدس قابله رجل قال له اليهود يريدون شراء دكاني الصغير الملاصق للحرم بثلاثة ملايين دولار وقد رفضت رغم اني لا أجد قوت أسرتي. هذه قصة قصيرة جدا لمن زعموا ان الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود!