19 سبتمبر 2025
تسجيلتساؤلات كثيرة تستثير المراقب للشأن الفلسطيني، كيف أن حركتي فتح وحماس استطاعتا توقيع اتفاق مصالحة بالأحرف الأولى يوم الأربعاء 26-4-2011 بعد أن ظلّت المصالحة تراوح مكانها سنوات، ويذهب لقاء ويعقد آخر ثم ما يلبث الطرفان أن يعودا للمربع الأول من جديد. فما الذي استجد بشكل جوهري حتى جعل من الإمكان التوقيع على اتفاق المصالحة بهذه السرعة؟ وهل لهذا الاتفاق أن يصمد طويلاً طالما أن الحديث هو عن مشروعين فلسطينيين متناقضين تماماً لبعضهما البعض، مشروع السلطة الذي آمن بالتفاوض طريقاً وحيداً للوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة ونبذ كل أشكال المقاومة، ومشروع آخر آمن بكليته بالمقاومة المسلحة طريقاً للحل ورفض كل أشكال التفاوض. الاتفاق بالأحرف الأولى شمل خمس نقاط منها دمج قوات الأمن وتشكيل حكومة مؤلفة من شخصيات وطنية على أن يبدأ تنفيذ الاتفاق عقب حفل التوقيع الرسمي المقرر في القاهرة مطلع الشهر المقبل، وقد جاء عقب انهيار محادثات السلام بين السلطة وإسرائيل العام الماضي، الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني للتهديد بالذهاب إلى الأمم المتحدة من جانب واحد للحصول على تأييدها في سبتمبر المقبل إنشاء دولة مستقلة على جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وقد عزز من هذا الاحتمال تأييد عدد كبير من دول العالم لمثل هذا التوجه ومن بينها دول في الإتحاد الأوروبي. وبناء عليه فإن السلطة التي خسرت كامل رصيدها في الرهان على التفاوض مع الحكومات الإسرائيلية التي كانت ترفض أن تضع سقفاً زمناً لجولات التفاوض لم تجد أمامها إلا الذهاب إلى الأمم المتحدة لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية. ومن هنا فإن السلطة تحتاج إلى وحدة الصف الفلسطيني الداخلي حتى تنال هذا الاعتراف الذي يحتاج بدوره إلى دعم عربي وإسلامي تام، وهذا لا يمكن في حال كان الانقسام السياسي الفلسطيني على حاله، فضلاً عن أن السلطة التي لا تربطها علاقات جيدة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو فإنها على ما يبدو بدأت تتجه إلى استعمال ما لديها من أوراق للضغط على كل من إسرائيل التي حاولت نسف كل ما أنجزته السلطة من تفاهمات مع الحكومات الإسرائيلية السابقة والضغط في ذات الوقت على واشنطن والرئيس أوباما الذي بدا عاجزاً تماماً أمام جموح حكومة نتياهو في تسريع وتيرة الاستيطان الذي يهدد قيام دولة فلسطينية مستقلة. أما بالنسبة لحركة حماس فإنها بحاجة إلى تخفيف الخناق المفروض على قطاع غزة كما أنها تريد بناء علاقات جديدة مع الحكومة المصرية الجديدة التي بدت أكثر توازناً في التعاطي مع الملف الفلسطيني عما كان عليه نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي كان يمارس ضغوطا على حماس أكثر مما كان يتوقعه الإسرائيلي كي تقبل بشروط رباعي الوساطة الدولي حماس وفتح اليوم تريدان أن تعطي الحكومة المصرية دفعة أمل في إعادة الإمساك بالورقة الفلسطينية وأنها طرف مرغوب به بل والحاجة إليه ضرورية في إدارة الصراع مع إسرائيل للحصول على دولة فلسطينية مستقلة لاسيَّما وأن مصر وعلى لسان وزير خارجيتها نبيل العربي أكدت أنها راغبة في الدعوة إلى مؤتمر دولي لإطلاق مفاوضات السلام والوصول إلى "حلّ للصراع" وليس إلا "إدارة الصراع" كما كانت تجري المفاوضات السابقة، وهذا الكلام بحد ذاته مفيد لكل من حماس وفتح ومعهما بقية الفصائل الفلسطينية. كما لا يخفى على أحد تطورات أحداث الثورات العربية وما تلقيه بظلالها على الوضع الفلسطيني وقيادات فصائله الموجودة في عدد من الدول العربية، وهذا يستدعي من كل الأطراف الفلسطينية إعادة نظر في سياساتها ومناهجها بما يتفق مع المرحلة القادمة حتى لا تصبح جزءاً من منظومة طوتها الأحداث وتجاوزتها الثورات العربية، وهذا كما ينطبق على حركة فتح التي كانت تلقى دعماً قوياً من نظام حسني مبارك ينسحب أيضاً على حركة حماس التي هي بحاجة أيضاً لاستثمار التطورات العربية لصالحها. لكن هل بإمكان هذا الاتفاق أن يستمر؟ الإجابة -على ما أعتقد - صعبة، فالسلطة الفلسطينية التي تعتمد بشكل تام على المعونات الغربية في بناء الدولة المرتقبة هل هي قادرة على مواجهة واشنطن ومعها الإتحاد الأوروبي الذي لا يقبل بحال من الأحوال بحكومة فلسطينية تشارك فيها حماس إذا أصرت على موقفها بعدم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ولم تنبذ المقاومة المسلحة للوصول إلى دولة فلسطينية، ثم هل السلطة قادرة ومستعدة لتحمل احتمالية عودة الاحتلال لكامل الضفة الغربية في حال قررت إسرائيل قلب الطاولة على الجميع؟.