12 سبتمبر 2025
تسجيلشاهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أجواء الربيع العربي على حقيقتها في روضة خريم الشهيرة شرق العاصمة الرياض والتي يتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مقراً ربيعياً لإقامته واستقبالاته الرسمية في جزء من العام. وربما حملت ورود وأزهار الربيع كما تبدو في روضة خريم للرئيس أوباما الذي زار السعودية اليومين الماضيين مشهداً مغايراً لما يرسمه مخيال السياسة الأمريكية للربيع العربي المزعوم والذي حمل لمنطقتنا الكثير من صور الأذى والدمار المبرمجة في غالبها. الصور في روضة خريم طبيعية تنبئ بأن في وسط الجزيرة العربية خصوبة تلقائية تعبر عن الربيع بمعانيه ولا تحتاج إلى محفزات أو صياغات لتمرير دلالات أخرى ؛ فقبل وصول الرئيس أوباما للسعودية بأقل من 24 ساعة كانت الأنباء من الديوان الملكي السعودي تحمل بشارة إلى المجتمع المحلي والعالمي المحب لهذه البلاد بأن السعودية ماضية نحو بناء استقرارها وتوطيد مؤسسة الحكم فيها من خلال ما صدر عن تعيين ومبايعة سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز خليفة لولي العهد ثم للملك في حال شغور المنصبين ؛ وهي خطوة لها جملة مضامين واعتبارات تلقاها المجتمع السعودي بترحاب وفرح ؛ أيضاً كان العالم بمن فيهم الأمريكان يتابعون نتائج الجولة الآسيوية الموسعة لسمو ولي العهد مؤخراً وجملة الاتفاقيات التي وقعت مع تلك الدول، وهي متابعة لا تخلو من تقييم أمريكي للمصالح ؛ وهي من جانب سعودي استحقاق عالمي تفرضه مصالحها وحريتها. أعود إلى زيارة الرئيس أوباما للسعودية والتي حملت هي الأخرى جملة من الرسائل للعالم أجمع، خاصة فيما يخص المنطقة العربية وأحداثها ؛ فقد جرت الرياح في المنطقة غير طبيعية في غالبيتها وهناك من يفرض لنفسه بحكم القوة والهيمنة بعض الاستحقاق في تغيير ملامح الواقع واستنتاج تاريخ جديد بشخوص ورسوم بديلة على حساب الشعوب المحلية وقيمها؛ وفي هذه الحالة فتش عن الأمريكان دائماً، فهم دعاة التغيير وهم رواد العولمة دون أن تكون كل الضوابط والمقدرات في أيديهم، ربما لفهمهم الخاص والمغلوط لجدليات المنطقة، وربما أيضا أن مشكلة السياسة الأمريكية مكشوفة للعالم أجمع ويمكن استنتاجها بتتبع مكامن المصلحة والمنافع؛ الرئيس أوباما حضر إلى السعودية بعد تعديلات موسعة في رحلته اكتفت بالرياض كمحطة وحيدة في الشرق الأوسط وفي ذلك رسالة لأهمية المملكة وحضورها في صناعة توازنات المنطقة وكذلك لتصحيح بعض المسارات في العلاقات بين البلدين والتي أخذت تشوبها بعض المنغصات والطوارئ تبعاً لتباين المواقف بينهما في عدد من قضايا المنطقة، خاصة مصر وسوريا والبحرين أيضاً والتدخل الإيراني في شؤون المنطقة بتعزيزات مبطنة من بعض الدول الغربية لفسح المجال أمام المد الفارسي وبرامجه النووية للتوسع في المنطقة لحسابات وتخمينات ترتبط بأحداث الحادي عشر من سبتمبر ومنفذيها؛ سوى أن البحث عن بديل لتولي زمام الهيمنة في المنطقة دون مسوغات تاريخية وأيديولوجية ولمجرد غضب سياسي أو حنق مرحلي هو من الغباء الذي يجر خلفه المزيد من الويلات والثبور على العالم أجمع ؛ فالرسالة السعودية منذ اللحظات الأولى لأحداث الحادي عشر من سبتمبر أنها، حكومة وشعباً، تدين الإرهاب والتعصب بأي أشكاله وتعمل على اجتثاث مسبباته ودواعيه وهو ابتلاء عالمي تغذيه الدوافع الغربية وممارساتها تجاه قضايا المنطقة التاريخية ؛ ولعل في صور "اليوتيوب" التي تناقلتها الأوساط العالمية لعدد من الشباب السعوديين وهم يمزقون وثائقهم الرسمية للتخلي عن البلد وهم في حالة حنق من القرارات السعودية الأخيرة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين والتي تجرم المشاركات العسكرية في الدول الأخرى والانتماء للجماعات والأحزاب الإرهابية في دلالة على مضي الدولة لمواجهة هذا الابتلاء وبرأتها وعموم المجتمع السعودي منه، ففي تلك الصور دليل على معاناة الدولة والشعب السعودي من هذا الفكر وأتباعه. مرة أخرى الولايات المتحدة تعيد حساباتها نحو المنطقة وتؤكد وفق البيانات الختامية الصادرة عقب زيارة الرئيس أوباما على الاهتمام بمصالحها المرتبطة بأمن المنطقة. والجميل في مباحثات الطرفين حسب بعض المراقبين أنها كانت شفافة ومباشرة ولا تحمل تخمينات ولا لبس وتعيد العلاقات إلى المسار الصحيح وفق الاتفاقيات التاريخية بين البلدين والتزاماتهما المشتركة تجاه المنطقة وتعطي فهماً أقرب للأحداث ونتائجها. أعتقد أن المرحلة القادمة ستحمل تغييراً في نمطية التعاطي مع الكثير من الملفات الخاصة في المنطقة، فلننتظر.