14 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن متوقعا أن تسقط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع الفائت دون سابق إنذار حيث صمدت في أحلك الظروف وأصعبها.. كثر المراهنون على سقوطها عقب اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات قبل عدة شهور لكنها لم تسقط، كما أن تفجر الأوضاع الأمنية من طرابلس شمالا إلى صيدا جنوبا ومن البقاع شرقا إلى بيروت غربا طوال السنتين الماضيتين لم تهز الحكومة هزاً.. صمدت الحكومة، وكان خصومها يواسون أنفسهم بعد فشلهم بإسقاطها، بأنها حكومة ممنوع عليها أن تسقط إقليميا، في إشارة إلى وجود قرار سوري إيراني بالتنسيق مع حزب الله يمنع انهيارها. الآن استقالت حكومة ميقاتي ودخلت طور تصريف الأعمال، ولم يعد ذي جدوى معرفة ما إذا كان ميقاتي أراد قلب الطاولة على رؤوس الجميع بمن فيهم حلفاؤه في قوى ٨ آذار بذريعة عدم رغبة حلفائه في التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي المحسوب على قوى المعارضة قبيل إحالته للتعاقد أو أن حزب الله أراد لهذه الحكومة أن تسقط لأن وظيفتها انتهت وأن المرحلة الحالية تتطلب دخول البلاد في إطار من المراوحة السياسية حتى تتكشف الأمور في سوريا. بل هناك اتهامات لميقاتي نفسه بأنه استقال لتعويم نفسه من جديد لاسيَّما قبيل الانتخابات النيابية، بعد أن قدم نفسه بطلاً أثبت أنه مستقل، وأن حكومته لم تكن يوماً حكومة حزب الله، ولا حكومة سوريا في لبنان، وأن وسطيته التي يتغنى بها هي حقيقة وإستراتيجية عمل على أرض مزروعة بالأفخاخ السياسية والأمنية أينما توجهت. وهكذا يعيد ميقاتي ما خسره من شعبية سنية وتحديدا في مدينة طرابلس مسقط رأسه، وهو يعلم يقينا أن المنافسة مع تيار المستقبل في الانتخابات القادمة ليست نزهة بالمرة. كلام كثير وسيناريوهات وروايات متعددة تنطلق من حدود التضارب إلى حدود التلاقي، لا يمكن أن تستبعد إحداها ولا تجزم بواحدة بعينها دون غيرها. ويبقى التساؤل: ماذا بعد الاستقالة؟ وهل تعتبر الاستقالة هزيمة لحزب الله وحلفائه ونصرا لقوى ١٤ آذار التي لم يكن لها ناقة ولا جمل في إسقاط الحكومة وهي التي منيت بسقوط حكومة الحريري على يد حزب الله؟ وكيف يمكن لهذه القوى أن تستثمر هذا التحول؟ ميقاتي السياسي الماهر والدبلوماسي اللبق سوّق منذ اللحظة الأولى لاستقالته أنه أقدم مرغما على فعلته لأحداث صدمة إيجابية في البلاد، حيث بلغ الجمود السياسي حداً ينذر بانفجار البلد في أي لحظة.. كان لابدّ من الاستقالة لدفع الأطراف مجتمعة للعودة إلى طاولة الحوار التي رعاها رئيس الجمهورية. قوى ١٤آذار سارعت منذ اللحظة الأولى لاستقالة ميقاتي لتقول إنها مستعدة للعودة إلى طاولة الحوار، وأن اللحظة مواتية جداً لتشكيل حكومة حيادية أو إنقاذية أو وحدة وطنية لتحمي لبنان من تداعيات الحريق السوري على امتداد حدودها معه.. لم يخرج حزب الله بموقف واضح سوى إبداء امتعاضه من خطوة ميقاتي الذي أدخل البلد كله في فراغ على حد وصف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد. أما الحليف ميشال عون فأوحى لمحيطه أنه تنفس الصعداء برحيل ميقاتي حيث تنعدم الكيمياء بين الرجلين. بات الآن من المؤكد تأجيل الانتخابات النيابية التي كان إجراؤها مقررا في يونيو القادم، وأن الخلاف على قانون انتخابي سيبقى قائما، وهو ما يرجح كفة التمديد للمجلس النيابي الحالي، ويبدو أن جميع الفرقاء السياسيين أو أغلبهم له مصلحة بالتمديد لهذا المجلس طالما أنه لم يوفق لتمرير قانون انتخابي يضمن له حصته الحالية في المجلس القادم.. ربما تأتي الأمور بصفقة شاملة يتم فيها التمديد للقادة الأمنيين مقابل التمديد للمجلس النيابي، بما أن الجميع يرى أن الوضع السوري هو الأساس، وأن المتغيرات في سوريا هي من سترسم قواعد اللعبة الجديدة في لبنان.. بهذا المعنى لبنان دخل في غرفة الانتظار التي قد تطول لشهور وربما لأكثر من سنة على أمل أن تتكشف غيوم المعارك في سوريا.. وإلى ذلك الحين سيبقى لبنان في عين العاصفة ونذر التفجير الأمنية ترتفع معدلاتها بصورة قياسية يوما بعد يوم.