19 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا وإسرائيل: ثمن الاعتذار؟

30 مارس 2013

الثابت في العلاقات التركية- الإسرائيلية هو التعاون والتنسيق والتحالف فيما الاختلاف والخلاف والتباين هو الاستثناء. الاعتذار الإسرائيلي لتركيا قبل أيام برعاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما أظهر المدى المحدود الذي يمكن أن يذهب فيه أي توتر بين البلدين. ولو استعرضنا باختصار وفقا لرسم بياني العلاقات بين البلدين لوجدنا أنها الأقدم بين إسرائيل وبلد مسلم.وفي حين كانت تركيا مثلا تخفض مستوى تمثيلها الدبلوماسي عام 1956 في تل أبيب من رتبة سفير إلى رتبة سكرتير أول كانت العلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية تصل إلى ذروتها في تلك الفترة.وحين كان رئيس الحكومة التركي نجم الدين أربكان يحمل فكرا معاديا لإسرائيل كانت تركيا وإسرائيل توقعان في العام 1996 الاتفاق العسكري الأضخم والأخطر بين البلدين. وحين كان رئيس الحكومة الحالي رجب طيب أردوغان يصف ممارسات إسرائيل بإرهاب الدولة كان الرئيس التركي عبدالله غول يتيح لبيريز ليكون أول رئيس إسرائيلي يلقي خطابا أمام البرلمان التركي.ورغم حادثة مرمرة التي كانت في أساس الاعتذار الإسرائيلي الأخير كانت العلاقات الاقتصادية تعرف صعودا من مليارين ونصف المليار دولار عام 2009 إلى أربعة مليارات ونصف المليار دولار عام 2011 ولا تزال قوية حتى الآن. إن أحد أبرز الأسباب التي تجعل العلاقات التركية الإسرائيلية قائمة وثابتة ومزدهرة ومشتركة في المصالح والأهداف أن الجيوبوليتيك التركي بعد انتهاء الدولة العثمانية في العام 1918 قد تم الإمساك به من جانب القوى الغربية.لقد صارع مصطفى كمال أتاتورك وتحت الراية الإسلامية بين عامي 1919 و1922.ولكن عندما كانت المفاوضات في لوزان تدخل مراحلها الحاسمة كانت تركيا المولود الذي يخرج إلى الحياة بحدوده الحالية، فقط بفضل "القابلة" الغربية، الإنجليزية تحديدا.ورغم تعاقب حكومات مختلفة على السلطة في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية لم يتغير المسار العام للسياسة الخارجية التركية لتكون في الموقع نفسه مع السياسات الغربية والإسرائيلية ولا يغير من هذه الحقيقة بعض المواقف العاطفية التي لا ترقى إلى مستوى الفعل والمواجهة.وسواء كان الحكم في تركيا عسكريا أو علمانيا أو إسلاميا فإنه لم يستطع أن يعيد تركيا إلى هويتها المشرقية. لقد نجح الغرب في فرض شروطه على تركيا لدى نشوئها في العام 1923 وبعد الحرب العالمية الثانية كبّلها بأكبر قيد عرفته حتى الآن وهو العضوية في حلف شمال الأطلسي. ومن ثم رمى لها صنارة الاتحاد الأوروبي.ولقد صاغ الغرب الايدولوجيا التركية في اتجاه أن تكون على نزاع مع محيطها.فالعلاقات مع روسيا علاقات تنافس وتوتر وكذلك مع إيران أما مع سوريا فكانت الحكاية الأكثر إثارة.من بلد عدو على مدى نصف قرن إلى شريك استراتيجي لسنوات أربع أو خمس لتعود سوريا في صيف العام 2011 بلدا عدوا. يأتي الاعتذار الإسرائيلي عن حادثة سفينة مرمرة ليعيد العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى طبيعتها بعد توقف قسري امتد لسنتين ونيف.ولكنه توقف سياسي وليس أمنيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا.اعتذار واحد كاف ليعود التعاون الاستراتيجي إلى ما كان عليه على امتداد ستين عاما.ومع أن البعض يرى في الاعتذار هزيمة معنوية لإسرائيل غير أنه لا يمكن اعتباره كذلك أبداً على أرض الواقع.فمقابل اعتذار معنوي تكسب إسرائيل عودة علاقات استراتيجية مع دولة مسلمة كبيرة وقوية وموجودة في منطقة تشكل المجال الحيوي الرئيسي لإسرائيل أي الشرق الأوسط وشرق المتوسط وفي لحظة إقليمية ودولية ساخنة جدا. وإذا كان الأتراك يعوّلون كثيرا،بعد الاعتذار وعودة العلاقات مع إسرائيل، على إمكانية التأثير على الحكومة الإسرائيلية في الشأن الفلسطيني،فإن جميع العرب والمسلمين سيكونون ممتنين لتركيا إذا استطاعت أن تحصل من إسرائيل تراجعا ولو قيد أنملة لوقف الاستيطان وتهويد القدس والانسحاب من الضفة وفك الحصار(وليس مجرد تخفيفه) عن غزة،وإطلاق سراح الأسرى الذين يعدون بالآلاف.لكن الخوف،وهو في محله، أن يكون الاعتذار الإسرائيلي بداية مرحلة من التعاون العميق بين تركيا وإسرائيل يكون ضحيته،في لعبة الأمم، العرب والفلسطينيون أولا وأخيرا والتاريخ لا يكذّب ذلك.