11 سبتمبر 2025

تسجيل

الربيع العربي بعد خمس سنوات

30 يناير 2016

لم يكن أحد يتوقع انهيار أنظمة بوليسية وعسكرية شمولية وشرسة بمثل تلك السرعة وبذلك الحجم القليل جدا من الخسائر المادية والبشرية، ولكن المختصين والمحللين السياسيين أكدوا منذ اندلاع الثورات أن موضوع التغيير والإصلاح والقضاء على الفساد والعادات السلبية ليس بالأمر السهل. فسقوط الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية لا تعني بالضرورة القضاء على الفساد وإقرار الديمقراطية وتحقيق البرامج الاقتصادية الناجحة. فإذا نجحت شبكات التواصل الاجتماعي في تعبئة الشباب للتظاهر من أجل التغيير، فهذه الشبكات نفسها عجزت فيما بعد في تحقيق التغييرات المطلوبة وبذلك تحقيق أهداف مئات الآلاف بل الملايين من الشباب الذين تظاهروا وشاركوا في مسيرات من أجل حياة كريمة وشريفة ومن أجل العدالة الاجتماعية والمساواة. بعد خمس سنوات من ثورات الربيع العربي، ما الجديد؟ وهل تحققت أحلام محمد البوعزيزي والشباب العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا؟ ماذا عن البطالة والتضخم والعدالة الاجتماعية والمساواة؟ ماذا عن تحسين ظروف المعيشة للمواطن البسيط. في 2014، اعتمدت تونس دستورا جديدا وفاز حزب نداء تونس المنافس لحزب النهضة الإسلامي في الانتخابات التشريعية. وفي ديسمبر من العام نفسه، انتخب الباجي قائد السبسي رئيسا للجمهورية التونسية بالاقتراع العام. ورغم نجاح تونس في الاختبار السياسي والانتقال الديمقراطي السلس، لم يتحسن الوضع الاقتصادي، فمعدل البطالة لا يزال في حدود %15 ويصل بين شباب الخريجين إلى 32 في المائة. فالتخلص من نظام بن علي شيء وبناء اقتصاد قوي يستجيب لطموحات الشباب شيء آخر. فهناك اليوم عديد من التونسيين من يرى أن الأوضاع كانت أحسن في عهد بن علي. فالأسعار ارتفعت والظروف الأمنية تدهورت. فالآن وبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، هناك خطر الإرهاب ومسألة الأمن، حيث ضربت الجماعات الإرهابية بقوة سنة 2015 ومن أهم هذه الضربات هجوم باردو في شهر مارس ومذبحة سوسة في شهر أغسطس، وانفجار حافلة للحرس الرئاسي في شهر نوفمبر. الأمر الذي أثر تأثيرا بالغا على الصناعة السياحية بخاصة والاقتصاد التونسي بصفة عامة. فتونس التي ظن الجميع أنها التجربة الناجحة بامتياز مقارنة بدول الربيع العربي الأخرى خالفت ظن الكثيرين وأظهرت فجوة كبيرة بين الإنجازات على المستوى السياسي والفشل الذريع على المستوى الاقتصادي. وحتى على المستوى السياسي نلاحظ في الفترة الأخيرة انقسام في حزب نداء تونس وعدم وفاء الرئيس الباجي قائد السبسي بوعوده التي قدمها خلال حملته الانتخابية والتي بقيت حبرا على ورق. بالنسبة لمصر بعد 30 عاما من تقلده السلطة، اضطر حسني مبارك إلى التخلي عن السلطة، وفي يونيو 2012، أصبح محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، أول رئيس إسلامي يحكم البلاد. وبعد ذلك بعام، باتت مصر تغرق في أزمة سياسية واحتجاجية غير مسبوقة، بعد أن أطاح الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي بمرسي، وبدأت رياح القمع والتعذيب والإقصاء حيث تشير الإحصاءات أن أكثر من 1400 من مؤيدي مرسي قُتلوا، وسُجن نحو 15 ألف آخرين أو حكم عليهم بالإعدام، بينهم مرسي وأعضاء من حكومته. وفي يونيو 2014، اُنتخب السيسي رئيسا للبلاد. فما حدث في مصر هو إجهاض ثورة وانقلاب عسكري أبيض على رئيس أنتخب بطريقة ديمقراطية ما أدى إلى العودة إلى نقطة الصفر وكأن شيء لم يحدث. بالنسبة لليبيا، تخلص الشعب الليبي من معمر القذافي في مدينة سرت في 20 أكتوبر 2011. القائد وصل إلى سدة الحكم عام 1969 عن طريق انقلاب وانتهج سياسة جعلت ليبيا في عزلة تامة دوليا وإقليميا، وبعد التخلص منه وجد الليبيون مجتمعا بدون مؤسسات وبدون تقاليد في الديمقراطية والنضال السلمي والمجتمع المدني. ففي غضون أشهر، تحولت الانتفاضة في ليبيا لنزاع مسلح بين ميليشيات متناحرة؛ أدى إلى سقوط طرابلس في أغسطس، حيث أعلنت هذه الميليشيات نفسها سلطة موازية لتلك المعترف بها من قبل المجتمع الدولي ومقرها في طبرق، شرق البلاد. وهكذا دخلت ليبيا منذ بداية الثورة في حلقة صراعات ونزاعات معقدة ومتشابكة تدخلت فيها القوى الفاعلة في النظام الدولي وكذلك "داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى. وهربا من قصف قوات التحالف الدولي بسوريا والاستفادة من الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا، اتجهت الدولة الإسلامية إلى ليبيا وأقامت مؤخرا معسكرات تدريب على مشارف مدينة سرت، حيث توجد العديد من آبار النفط. ووفقا لتقديرات المختصين، هناك حوالي 2000 من مقاتلي "داعش" يوجدون حاليا في ليبيا، كما أن التنظيم يطلب من مؤيديه الذهاب إلى ليبيا، وهذا ما يعقد القضايا أكثر فأكثر في ليبيا والخوف من أن تتطور الأمور في هذه الدولة إلى فوضى عارمة وإلى "اللا دولة". بالنسبة لليمن انتشر الفقر والفساد لمدة 33 عامًا تحت حكم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ما أدى إلى انضمام اليمنيين إلى ثورات الربيع العربي والإطاحة بصالح، ولكن إرساء الاستقرار وتطبيق الإصلاحات تحت قيادة الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي كان صعب المنال في ظل وجود ميليشيات صالح. استطاعت قوات الولايات المتحدة والسي آي إيه شن غارات جوية بواسطة طائرات بدون طيار ضربت مواقع للقاعدة في اليمن، كان من بينها إسقاط أنور العوالقي أحد الرؤوس المدبرة في تنظيم القاعدة. فاليمن يعيش هذه الأيام ظروفا صعبة وحربا أهلية ضروس ضحيتها الأولى الشعب الأعزل الذي أصبح عاجزا عن توفير مستلزمات معيشته اليومية. مع نجاح معظم دول الربيع العربي في إسقاط رؤسائها وتغييره بأخر، فإن سوريا وبعد 5 سنوات من الثورة لم تستطع حتى الآن الإطاحة بالرئيس حافظ الأسد. تحولت سوريا إلى مشهد صراع مسلح بين قوات نظام الأسد والمعارضة السورية. ومع سوء الوضع، بدأت الولايات المتحدة والغرب تأييد فكرة دعم المتمردين السوريين وجذب مجندين من السنة من أقطار العالم العربي لمحاربة أقلية الأسد الشيعية، ثم ظهرت "داعش" برغبتها في تأسيس "دولة الخلافة" بالسيطرة على نصف مساحة سوريا وأجزاء كبيرة من العراق وتهديد المدينة السورية حلب وعاصمة الحكم. جذبت تلك الهزيمة روسيا للتدخل في سوريا كطرف دولي وشن ضربات جوية غير منسقة ضد المسلحين في سوريا وتأييد الأسد. الأمر الذي أدى إلى هجرة نصف سكان البلد. من جهة أخرى تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن عدد ضحايا الأزمة السورية تعدى ربع مليون قتيل، باختصار كبير الربيع العربي ما هو في حقيقة الأمر إلا خريف مليء بالإخفاقات والفشل الذريع في تحقيق أحلام الشباب الذي تظاهر وسهر الليالي واجتاح صفحات شبكات التواصل الاجتماعي من أجل التغيير.