30 أكتوبر 2025
تسجيلخلافًا لما يقول كثيرون، لا تبدو المؤشرات على مغادرة الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط بهدف التفرغ للصراع مع الصين والهند في آسيا كافية للبناء عليها باعتبارها أمرًا متفقًا عليه في استشراف مستقبل المنطقة وهوية القوى المؤثرة فيها. الشرق الأوسط سيظل منطقة حيوية للولايات المتحدة خلال السنوات القادمة، وإن اختلفت المقاربة الأمريكية في كيفية تحقيق مصالحها، وتبدلت أوجه النفوذ المطلوب.المؤكد أن استراتيجية بارك أوباما خلال سنواته المنصرمة مثلت نقيضًا لاستراتيجية سلفه جورج بوش التي تُرجمت بالتورط المباشر في الملفات الساخنة التي تمثل تهديدًا للولايات المتحدة، فاندفع غازيا أفغانستان والعراق، وأجهض مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لصالح اليمين المتطرف. إدارة أوباما قامت على تبريد الملفات الساخنة، وسحب جيوشها من البلدان التي احتلتها، والسعي لإدارة المنطقة من بعيد بما يؤّمن مصالحها دون أن تتورط بما تورطت به في العراق وأفغانستان. الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة تنظيم داعش والقاعدة تجلّت خلال إدارة أوباما باستعمال الطائرات من دون طيار، والقيام بعمليات عسكرية محدودة خاطفة وسريعة تقوم بها فرق كوماندوز، وتوفير مستشارين لجيوش صديقة، والتشجيع على وجود جيش إسلامي مكوّن من دول عربية وإسلامية لإنجاز الحلّ العسكري المطلوب في القضاء على التنظيمات المتطرفة. لكن المؤشرات الأخيرة توحي أن أمرًا ما طرأ على استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة التنظيم. لقد جاء دخول الولايات المتحدة المنطقة خلال التسعينيات وما بعدها بذريعة مواجهة نظام صدام حسين، وها هي اليوم تعود للمنطقة من أوسع أبوابها بحجة مكافحة الإرهاب. ظهور داعش في العراق وسوريا ساعد الولايات المتحدة على العودة إلى المنطقة من الباب الواسع، وبسط نفوذها بأساليب جديدة بعد أن كانت على وشك الخروج التام من العراق بناء على اتفاق موقع مع الحكومة. في ليبيا اليوم، يتمّ الحديث بشكل واضح عن الإعداد الحثيث لتدخل أطلسي جديد تقوده الولايات المتحدة لمواجهة التنظيمات الإسلامية الرافضة للعملية السياسية التي يرعاها المجتمع الدولي. وقد شرعت تنظيمات داعش والقاعدة في الاستعداد لمواجهة التدخل الغربي المحتمل، ومن يتابع ما تنشره حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي يدرك أن هؤلاء يأخذون الأمر على محمل الجدّ، وهم يحضرون أنفسهم لمعارك استنزاف طويلة مع القوات الغربية التي ستدوس التراب الليبي. أما في العراق فقد كان واضحًا لوزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر أن بلاده ستنشر قوات برية في إطار استراتيجية الحرب على تنظيم داعش في العراق وسوريا، وأن قوات أميركية خاصة قد بدأت بالفعل الانتشار في شمالي العراق لتدريب قوات الأمن هناك وقطع طرق الإمداد بين العراق وسوريا. وإذا ما عطفنا تصريحات كارتر الأخيرة على ما أكده هو في نوفمبر الفائت بدخول عسكريين أمريكيين إلى مناطق حدودية مع تركيا يسيطر عليها الأكراد لتدريب ودعم المقاتلين الأكراد في عمليات ضد داعش، في إشارة واضحة لما قيل عن انتشار عسكري أمريكي عند سدّ تشرين في سوريا، تصبح المعلومات المسربة عن إعداد الولايات المتحدة قاعدة عسكرية جوية لها في شمال سوريا صحيحة. وهو ما كشفت عنه صحيفة التايمز البريطانية قبل أن يؤكد مصدر عسكري سوري بحسب ما نقلت وكالة فرانس برس أن قاعدة عسكرية في منطقة تدعى أبو حجر جنوب رميلان في ريف الحسكة يقوم على تجهيزها الأمريكيون منذ أكثر من ثلاثة أشهر، حيث تضم عشرات الخبراء الأميركيين. وهي معدة لاستقبال مروحيات وطائرات شحن حيث سيبلغ طول مدرجاتها 2700 متر. مع عودة الحديث عن انتشار عسكري غربي في كل من العراق وسوريا وليبيا وربما دولًا أخرى، نكون قد دخلنا في فصل جديد من فصول الصراع في الشرق الأوسط والمغرب العربي، وسيصبح السؤال الأكثر طرحًا وتداولًا بين الناس: هل يهدف هذا الانتشار المتوقع إلى القضاء على تنظيم داعش كما تعلن الولايات المتحدة صراحة؟ أم سيكون أبرز تجلّيات المخطط الذي يهدف لرسم خارطة جديدة لدول المنطقة وفقًا لما يقوله المرتابون من هذا الحضور الكثيف للغرب في المنطقة؟