19 سبتمبر 2025

تسجيل

جنيف - 3 والأكراد

30 يناير 2016

بدأت محادثات جنيف -3 السورية بثلاثة وفود. واحد للنظام وثان للمعارضة التي اجتمعت في الرياض، وثالث لمكونات معارضة أخرى. لن تكون جنيف- 3 نهاية الطريق ولا الأخيرة كما لم تكن الأولى. وإذا كان الخلاف على من يشارك في المفاوضات أخذ كل هذا اللغط والمشاورات والمساومات، فهذا مؤشر على أن المفاوضات ستكون طويلة ومعقدة يتخللها حتما استمرار العمليات العسكرية على الأرض والتهجير والدمار في البيوت. وقد مرت الحرب السورية بأطوار متعددة تشبه تعاقب الفصول الأربعة وسنوات العجاف وسنوات المطر. وكانت الحرب كرا وفرا. بدأت بطرفين وانتهت إلى أطراف تحتاج إلى مجتهد في الحساب ليعرف عدد الأطراف المتورطة فيها سواء داخلية أو إقليمية أو دولية. يختصر المحللون الوضع في سوريا على أنه حرب كونية في سوريا وعلى سوريا ومن خلال سوريا. في سوريا أكبر القوى تشارك، من الولايات المتحدة إلى روسيا إلى دول أوروبية ومن تركيا إلى إيران ودول عربية كثيرة. أما المقاتلون فمن معظم دول العالم. يذهب السوريون وممثلوهم ومن ورائهم دول مؤثرة إلى جنيف أملا في بدء مسار يفضي إلى حل. التطورات الميدانية معقدة جدا والخلافات السياسية كثيرة جدا والأهداف تتباين حتى ضمن التيار الواحد. التفاؤل بنتيجة لهذه المفاوضات ليس في محله. مؤشر واحد فقط ربما يعطي بعض الأمل وهو أن خطة الحل قد تتضمنها للمرة الأولى قرار دولي، هو القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. هو ليس مقرر أو بيان عن اجتماعات جنيف الأولى أو الثانية أو موسكو أو فيينا، بل هو أول قرار رسمي يصدر عن الأمم المتحدة يتعلق بالأزمة السورية وبالتالي يمكن أن يكون بل يفترض أن يشكل المرجعية الرئيسية لحل الأزمة السورية. هذا يعطي بعض التفاؤل. لكن حدة التناقضات وحجم الخلافات يقلل من جرعة التفاؤل. طالت الأزمة في سوريا كثيرا. والمآسي الناتجة عنها لم يشهدها بلد آخر في المنطقة وفي العالم منذ الحرب العالمية الثانية. والمسؤولية لا يمكن أن يتحملها طرف بعينه بل هي مسؤولية مشتركة وجماعية. في مقارنة مع الوضع في المنطقة قبل مائة عام يفترض أن تأخذ الشعوب ومسؤولوها عبرا ودروسا مما حصل حينها. في مثل هذا العام بالضبط، أي العام 1916، كان اتفاق سايكس- بيكو الذي رسم خريطة المنطقة القائمة حاليا مع بعض التعديلات. بعد مائة عام كانت شعوب سايكس- بيكو تترحم على تلك الاتفاقية وباتت تدعو أن يحفظ الله المنطقة كما رسمها الثنائي الفرنسي والإنجليزي. فسيول الدم التي تدفقت قسّمت المقسّم وأدخلت الإثنيات والأديان والمذاهب والعشائر بعضها في بعض بكل المنطقة وليس في سوريا فقط. من سوريا إلى العراق ومن اليمن إلى ليبيا ومن الجزائر إلى تونس وصولا إلى مصر. لكن ما يمكن أن يلفت النظر في الشق السوري من بقايا هذه الاتفاقية ما يتعلق بالبعد الكردي منها. سايكس- بيكو انتهت في مطلع العشرينيات إلى تقسيم كردستان الجغرافية على أربع دول: إيران وسوريا والعراق وتركيا. الشق الأكبر في الخلاف كان في العراق وفي تركيا. أتاتورك أعطى الأكراد في تركيا حكما ذاتيا في اجتماع للبرلمان التركي في العام 1922. لكن اتفاقية لوزان عام 1923 طوت الحكم الذاتي الذي عاد أتاتورك لينكره. واستمر الإنكار حتى يومنا هذا. أما في العراق فإن الجرح الكردي بقي مفتوحا وإن كان بحدة أقل ليشكل منذ الستينيات وصولا إلى العام 2003، تاريخ غزو العراق، واحدة من أكثر المراحل دموية في العراق. لكنه انتهى إلى فيدرالية أقرب إلى دولة مستقلة. بينما بقي الجرح حتى الآن ومنذ عام 1923 ينزف وبشدة ولم يعرف قرارا ولا استقرارا بل زادت حدته منذ عدة أسابيع. إذا كان من مستجد ميداني لافت للنظر في سوريا فهو نمو الحالة الكردية. ما هو مستغرب أن يدعو المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الأطراف كلها الكبير منها والصغير إلى طاولة جنيف- 3. لكنه امتنع عن دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي يسيطر على 80 في المائة من الشريط الجغرافي السوري مع تركيا. وهو تنظيم تتهمه تركيا بالإرهاب فيما تعتبره واشنطن محاربا من أجل الحرية والركيزة الأساسية في محاربة"داعش". أكبر ضرر على مسار المفاوضات أن يكون التنظيم الكردي الأساسي في سوريا خارجها. وأكبر خطأ أن تتكرر مأساة سايكس- بيكو وأن يعتبر أكراد سوريا أنفسهم من جديد ضحية تآمر جديد متعدد الطرف.