18 سبتمبر 2025

تسجيل

رسولنا والرحمة بالأرامل

30 يناير 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الأرامل شريحة من المجتمع، لا يشعر بهن أحد، يعشن في صمت، ويمتن في صمت، دون البوح بمكنون النفس، ذلكم لأن العادات والأعراف قضت عليهن بالحرمان، بعد وفاة الزوج، إما زهدا فيهن، وإما ادعاء الوفاء للزوج الراحل. وينظر المجتمع اليوم نظرة خاطئة إلى الأرملة، ولا عليه إن عاشت بقية عمرها تعاني الحرمان وتقاوم العنت والمشقة لا لشيء إلا لتقطع ألسنة الناس عنها، بينما هي تقع ضحية الجهل، وقسوة المجتمع وأنانيته.وفي حياة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، عرضت بعض النساء ممن توفي عنهن أزواجهن مشكلة الوحشة في فترة العدة المؤقتة بأربعة أشهر وعشر، والتي تقضيها في البيت الذي كانت تسكنه في حياة الزوج، وكان توجيه النبي الأكرم لهن. قال مجاهد: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله، وقلن: يا رسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا؟ فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال: "تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب – لتعد - كل واحدة إلى بيتها". ويستدل الحنابلة بهذا الحديث وبغيره على جواز خروج المعتدة في حوائجها نهارا، وليس لها المبيت في غير بيتها، ولا الخروج ليلا إلا لضرورة، لأن الليل مظنة الفساد. وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم يدل على رحمته بهؤلاء النسوة اللائي فقدن أزواجهن، ويعانين من الوحشة، ويحتجن إلى المؤانسة في هذه الفترة الصعبة من حياتهن التي يقضين فيها العدة، فيوجههن النبي صلى الله عليه وسلم في رحمة - تقدر طبيعة النفس البشرية - إلى التجمع مع بعضهن، والحديث سويا، وتعزية أنفسهن، والانشغال بالحوار فيما بينهن لتخفيف أثر الوحشة، ومعالجة وقع الوحدة بعد مصابهن.أما بعد انتهاء فترة العدة فكل واحدة وشأنها، وهي أعلم بما يصلح حالها، وهي أدرى بنفسها، وأوعى لمصلحتها، وهي أميرة نفسها إن شاءت تزوجت، وإلا فهي صاحبة قرارها. وفي خير العصور كانت الأرملة لا تنقطع عن الزواج بعد وفاة الزوج، بل ما كانت تنقضي عدتها حتى تتجمل للخطاب في ظل خير القرون وأكرم العصور وأشدها التزامًا بالشريعة، وأبعدها عن التكلف الزائف أو التجمل الباهت، ولم ينظر المجتمع إليها يومذاك على أنها غير وفية لزوجها الأول، كما هو شائع على ألسنة كثير من الناس في عصرنا، بسبب الجهل وانتشار روح الأنانية، وسطحية النظرة، دون سبر أغوار النفس الإنسانية. جاء في صحيح مسلم، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل: أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية كانت تحت سعد بن خولة، وكان ممن شهد بدرًا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته - قيل: بعد شهر وقيل: بعد خمس وعشرين ليلة -، فلما تعلَّت ـ طهرت ـ من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابك ابن بعكك ـ رجل من بني عبد الدار ـ فقال لها: مالي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح، إنك والله ما أنتِ بناكح حتى تمرّ عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعتُ عليَّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حلَلتُ حين وضعتُ حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي". فلم يكن اعتراض أبي السنابك على الزواج من أصله وإنما كان اعتراضه أنها لا تتزوج حتى تكمل عدتها أربعة أشهر وعشرا ولم يكن يعلم أنها بوضعها حملها قد حلّت وانقضت عدتها وقد كانوا وقافين عند حدود الله. هذا هو تشريع السماء الذي يرحم الفطرة الإنسانية ويلبي نداءها في حنايا النفس دون عنت أو تجمل أو تعالٍ أو تسامٍ في غير موضعه، وإن بدَّل الناس وغيروا أو جهلوا وضيقوا. رحم الله سبيعة ورضى عنها تجملت للخطاب بعد وفاة زوجها بشهر ورحمها المجتمع آنذاك، ورحم الله أرامل عصرنا، وأعانهن على قسوة المجتمع ونظرته الخاطئة.