13 سبتمبر 2025
تسجيلدخلت اليونان في مرحلة سياسية جديدة، عبر الفوز الذي حققه حزب «سيريزا» اليساري الراديكالي بزعامة اليكسيس تسيبراس، الذي أصبح الحزب الأول في اليونان من خلال فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة. يتفق المحللون في أوروبا أن سياسة التقشف المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي هي التي أطاحت بالحزبين الرئيسيين في اليونان، وهما حزب الديمقراطية الجديدة، وحزب «الباسوك» الاشتراكي، وبالمقابل فإن النجاح الكبير الذي حققه حزب «سيريزا» اليساري المتطرف بزعامة اليكسيس تسيبراس، يعود في جزء أساس منه إلى برنامجه الراديكالي الذي تقدم به إلى الناخبين، والمتمثل بشكل رئيسي في مطالبته بتجميد خدمة الدين العام، وإلغاء قسم من الدين العام وإضافة بند في الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يتعلق بالنمو، وطرحه معالجة الوضع الاقتصادي المتردّي لبلد يعيش أزمة بطالة خانقة، والتفرغ لمعارك شرسة مع برلين وبروكسل رفضاً للتقشف وشروط الدائنين الدوليين، إضافة إلى مطالبته على رأس أولوياته في السياسة الخارجية: «فك الارتباط مع الناتو وإغلاق القواعد العسكرية الأجنبية على التراب اليوناني»، في إشارة إلى القاعدة البحرية الأمريكية في جزيرة كريت، و«إنهاء التعاون العسكري مع إسرائيل».وإذا كان زعيم حزب«سيريزا» السيد اليكسيس تسيبراس وعد بإبقاء اليونان في منطقة اليورو، وقدم خطابا معتدلاً خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإن تعيينه رئيساً للحكومة الجديدة يمثل التشكيك الأكثر وضوحا في طريقة إدارة الأزمات التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي منذ سنوات عديدة. ويمثل الملف الكبير الذي سيكون على جدول المحادثات مع «الترويكا» من الدائنين تسديد الديون العامة اليونانية. التي بلغت 321.7مليار يورو (175 من الناتج المحلي الإجمالي)، وحول شروط الدفع لأكثر من 7 مليارات يورو من المساعدات المالية التي تحتاجها اليونان خلال الأشهر القادمة لأنها لا تزال غير قادرة بمفردها على جمع الأموال في الأسواق.ورغم أن القياديين الأوروبيين من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أكدا على رغبة البلدين الأوروبيين الكبيرين بقاء اليونان في منطقة اليورو، فإن الأوروبيين ينظرون إلى تداعيات أزمة الديون اليونانية بكثير من القلق، مع انتشار المخاوف في أسواق المال العالمية من مواجهة أعضاء في منطقة اليورو، ولاسيَّما البرتغال وإسبانيا، مشكلات مالية مشابهة لليونان، وباتت معرضة لاضطرابات اجتماعية واسعة، وهو ما أرخى بثقله على اليورو نفسه الذي خسر نحو ستة في المائة من قيمته منذ يناير 2011 بعد خفض وكالات التصنيف العالمية التصنيف الائتماني لليونان. ويظل خطر خروج اليونان من منطقة اليورو خياراً مفتوحا، لا يمكن تجنبه، لتدخل البلاد التي لا تملك هامش مناورة يسمح لها بعدم احترام التزاماتها، فيما بعد في أراض مجهولة. ومن أجل تجنب إفلاس اليونان المرادف للأزمة البنيوية لمنطقة اليورو، عقد وزراء المال لدول منطقة اليورو اجتماعاً في اللوكسمبورغ مؤخرا، في ظل انقسام واضح بين الشركاء الأوروبيين حول الإستراتيجية التي يجب اتباعها في مواجهة أزمة الديون اليونانية الضخمة. وزير مالية ألمانيا وولفغانغ شوبل، الذي يُعَدُّ العقل المدبر لخطط الإنقاذ وشروطها، قال بإصرار رافضًا أي تفاوض حول الاتفاقات السابقة:«لا أحد يفرض أي شيء على اليونان، التعهدات تبقى سارية المفعول. وكان الموقف الألماني عبرت عنه أيضاً المستشارة أنجيلا ميركل، والذي يقوم على تخصيص بعض المؤسسات العامة في اليونان، ومشاركة المصارف الخاصة في تمديد آجال تسديد مديونية اليونان وتحمل جزء من تبعات الصعوبات التي تواجهها البلاد. وتواجه ميركل معارضة شديدة من أحزاب الوسط في ألمانيا التي تصف اليونان بأنها «بئر من دون قاع» نظراً للقروض التي حصلت عليها في سنة 2010(110 مليارات يورو) لكنها عجزت عن تصحيح أوضاع الخلل في الموازنة واضطرت في الفترة الأخيرة إلى طلب تمديد القروض.وهناك الموقف المعارض للموقف الألماني الذي يدافع عنه البنك المركزي الأوروبي وتدعمه فرنسا، حيث يملك الأول جزءاً كبيراً من السندات اليونانية، كما أن البنوك الفرنسية الخاصة تعد الأكثر عرضة للتضرر من عجز اليونان عن تسديد ديونها، فهي التي تملك الجزء الأكبر من الأصول اليونانية، مقارنة بنظيراتها من الدول الأوروبية الأخرى. فالبنك المركزي الأوروبي يرى أن ترك اليونان يتخلف عن الدفع سيقود إلى إحداث صدمة مشابهة لتلك التي قادت إلى انهيار بنك ليمان براذرز في سنة 2008، بوصفه «الإفلاس الأكثر كلفة في التاريخ». والحال هذه، فإن الموقف يتطلب منا الاستمرار في تمويل اليونان، وتجنب أي إعادة هيكلة لديونها. فالخطر يكمن في انتقال عدوى أزمة الديون اليونانية إلى البرتغال في مرحلة أولى، ثم إلى أيرلندا، وإيطاليا وبلجيكيا وإسبانيا في مرحلة لاحقة. فحسب حسابات الخبراء، فإن حاجيات التمويل المتراكمة لليونان، والبرتغال وأيرلندا بلغت قيمة 201مليار يورو في مايو 2013. وهذا يمثل إسهام البلدان المساعدة مثل فرنسا وألمانيا، بنحو 5.2 نقطة من ناتجها المحلي الإجمالي.إن اللعب بالكبريت يعتبر مسألة خطيرة حين نكون جالسين على برميل من البارود، هذا ما يتفق عليه الخبراء، الذين يعتقدون أن إعادة هيكلة الديون اليونانية بالنظر إلى ديناميكيات العمل في الأسواق، ستقود حتما إلى العدوى في أيرلندا، والبرتغال. وستتجه الأنظار إلى البلدان التي تقيمها الأسواق المالية بأن خطرها متوسط المدى، مثل إسبانيا، ولكن أيضا إيطاليا وبلجيكا. ومن خلال إضافة إسبانيا، إلى البرتغال، واليونان، يقدر الخبراء أن على دول منطقة اليورو أن تجمع ما قيمته 523 مليار يورو لمواجهة حالات الإفلاس هذه.وقد أدت الأزمة اليونانية بالأوروبيين إلى مناقشة مسألة الحاكمية الاقتصادية في منطقة اليورو، فالأزمة اليونانية كشفت مكامن خلل كثيرة في النظام الذي وضع عقب إطلاق العملة الأوروبية. هناك خللان يجب معالجتهما بسرعة: الأول: ويتعلق بمراقبة العجوزات في الموازنات، فمنذ سنوات لم تقل اليونان الحقيقة عن وضعها المالي كما أن الأوروبيين تظاهروا بعدم رؤية الوضع المالي في هذا البلد الأوروبي. والثاني، وهو الأخطر: إن الاتحاد الأوروبي لم يضع أي آلية في حال اندلاع أزمة أو إفلاس بلد أوروبي سواء من أجل دعمه أم من أجل معاقبته (باستثناء بعض المخالفات التي لم تطبق أبداً). ويجد هذان الخللان مصدرهما في التفسير التالي: لقد كان خلق العملة الأوروبية ناجماً عن إرادة سياسية لرؤساء دول وحكومات عدة بلدان أوروبية ولاسيَّما ألمانيا عندما قبلت التضحية بعملتها الوطنية المارك الذي كان يمثل الرمز الحي لقوتها الاقتصادية التي وجدتها في النصف الثاني من القرن العشرين، فاللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي لإنقاذ العملة الموحدة هو إهانة لأوروبا التي عجزت عن معالجة أزمتها بمفردها ولاسيَّما أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المساهم الأول في صندوق النقد الدولي وهاهي تسرع لنجدة هذه العملة الأوروبية التي كانت المنافس القوي للدولار، وكانت تهدد بإسقاط إمبراطوريته.