13 سبتمبر 2025

تسجيل

بين الحل البريطاني والحل المصري

30 يناير 2013

في السادس من أغسطس عام 2011، اندلعت أعمال شغب على نطاق واسع في العديد من مدن المملكة المتحدة، وشملت الأحداث اضطرابات عامة وأعمال نهب وسلب ومواجهات مع الشرطة البريطانية، أفضت إلى جرح 111 رجل شرطة، وتم تسجيل ما يقارب 3440 حادثة جنائية في مدن بريطانيا المختلفة، وبلغت حصيلة الخسائر في المباني حوالي 200 مليون جنية إسترليني، وتعرض الاقتصاد البريطاني لهزة قوية، في وقت لم يكن قد تعافى فيه بعد من أزمة الرهن العقاري الشهيرة، وأزمة وباء أنفلونزا الخنازير. حينها أصدرت معظم الدول تحذيرات لرعاياها بعدم السفر إلى بريطانيا، وتأثرت حركة السياحة، وحجوزات مكاتب الطيران، في الوقت الذي كانت بريطانيا تحاول فيه أن تحظى بثقة العالم بمناسبة قيامها بتنظيم الألعاب الأوليمبية، وحاجتها لتنشيط حركة السفر إلى أراضيها. الشاهد هنا أن الحكومة البريطانية لم تقف متفرجة على ما يجري، وإنما تدخلت بمنتهى الحسم، والأهم أنها سمت الأمور بأسمائها، فاعتبرت أن ما تشهده البلاد هو أعمال شغب، وأصبح الإعلام البريطاني مطالبا باستخدام هذا الوصف، بعد أن حاول بعض الظرفاء هناك أن يطلق على ما يجري وصف الربيع البريطاني (قياسا على الربيع العربي الذي كان قد انطلقت شرارته قبل عدة أشهر)، وأعطى رئيس الوزراء دافيد كاميرون الضوء الأخضر لقوات الشرطة للتعامل مع الموقف بحسم لم يخل من حرفية، حيث تمكنت قوات البوليس من الإيقاع بمعظم من تسببوا في الشغب من دون أن تسقط أي قتلى في صفوفهم. وكانت أداتها في ذلك الرصاص المطاطي وخراطيم المياه. إبان هذه الاضطرابات تم اعتقال أكثر من 3100 شخص، مثل منهم حوالي 1100 أمام المحاكم، التي طُلب منها أن تعمل عدد ساعات مضاعف حتى تتمكن من إصدار أحكام مباشرة بحق من تورطوا في أعمال الشغب، وحتى يتم تجنيب البلاد إعلان حالة الطوارئ، مع ما تعنيه من اعتقال لفترات طويلة من دون محاكمة، ورفضت العديد من المحاكم البريطانية الإفراج عن المحتجزين حتى ولو بكفالة. وحصل معظم المتورطين على أحكام رادعة. في ظل هذه الأزمة كانت الدولة حاضرة وقادرة على أن تتصدى بالحزم اللازم للمشاغبين، وكانت الخطوط الساخنة متاحة دائما للإبلاغ عن أي حالات اعتداء أو إحساس بالخطر، وقد استخدمت الحكومة البريطانية وقتها كل الوسائل لاستعادة الأمن، إلى حد أنها طلبت من شركات الهواتف النقالة أن تمدها بمعلومات حول الرسائل التي كان يتبادلها المخربون للتحضير لهجماتهم. وقتها، لم يتذرع أحد بشعارات حقوق الإنسان للحيلولة بين الحكومة وبين اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد مثيري الشغب، صحيح كانت هناك بعض الأصوات التي حاولت أن تستغل هذه الاضطرابات للإطاحة بحكومة المحافظين، إلا أن الأداء العام كان يغلب عليه الإحساس بالمسؤولية الوطنية، وترّفع معظم الساسة عن المتاجرة بأمن بلدهم لصالح اعتبارات سياسية. على الجانب الآخر من البحر تشهد مصر هذه الأيام اضطرابات مماثلة، حيث خرجت مجموعات فوضوية في الذكرى الثانية للثورة، قامت باحتلال الشوارع والميادين، وتعطيل حركة المرور في القاهرة وفي بعض المدن الأخرى. وقد سقط عشرات القتلى في المواجهات التي جرت بين المحتجين وبين قوات الأمن. الفارق الأساس أن المسؤولين السياسيين في مصر على العكس من نظرائهم البريطانيين قابلوا هذه الفوضى بأداء مرتعش. فالرئاسة ومعها الحكومة بدتا كما لو كانتا واقعتين تحت سيطرة الإعلام والنخبة الصاخبة، وغير قادرتين على التمييز بين أعمال الشغب والتظاهر السلمي، فتأخروا في التعامل مع الموقف، الأمر الذي أسهم في وقوع المزيد من الضحايا. وحين تم تصعيد الخطاب السياسي واللجوء لإجراءات أكثر حسما، كانت الأحداث قد سبقت الجميع، بحيث لم يؤدى إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال في مدن القناة إلى الأثر المرجو منه. وفي ضوء عدم قدرة الداخلية أو الجيش على تنفيذ القرارات الرئاسية في مواجهة التحدي الجماعي لمثل هذه القرارات، فإن المحصلة النهائية تمثلت في تأكيد ضعف مؤسستى الرئاسة والحكومة وعدم مقدرتهما على مواجهة الوضع بطريقة حاسمة. من جانبها فإن معظم فصائل المعارضة لم ترتفع إلى مستوى الموقف، ولم تعل الحس الأخلاقي المرتبط بالحفاظ على الدولة، وإنما حاولت استغلال الأوضاع لتسجيل نقاط لصالحها، وذلك بإلحاحها على أن الأزمة التي تشهدها البلاد هي أزمة سياسية، تتطلب تعديل الدستور وتشكيل حكومة جديدة يكونون هم على رأسها. وذلك في أجواء من الانتهازية السياسية التي تحاول استغلال الاضطرابات بدلا من محاولة البحث عن حلول لها. ولكن رغم الصخب الذي تثيره المعارضة المدعومة إعلاميا، فإن ما تعاني منه البلاد هو حالة من الانفلات الأمني وعدم احترام أحكام القضاء فضلاً عن تراجع حاد في هيبة مؤسسات الدولة، ومن ثم فإن على السلطة السياسية أن تتحرك لإدارة هذه الملفات قبل أن تدعوا إلى أي حوار مع المعارضة الطفيلية التي تحاول أن تظهر بمظهر المتحكم في حركة الشارع والقادر على استعادة الاستقرار. لقد تحركت بريطانيا لمواجهة الاضطرابات التي عمت جميع مدنها، فأوقفت الشغب وفرضت هيبة الدولة، ولم تتراجع أمام انتقادات المعارضة التي اتهمتها بانتهاك مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأظهرت أن الدولة لا يمكن أن تستدرج إلى منازلة مع مجموعات من الخارجين على القانون مهما كان انتشارهم أو عددهم، فهل يمكن أن تنهض الرئاسة المصرية بدورها في هذا الصدد، وأن تتوقف عن الانشغال بكوابيس الوقوع فيما وقع فيه الرئيس السابق من "استهداف للثوار". فالرئاسة الآن هي رئاسة منتخبة تتحرك بتفويض من الجماهير التي اختارتها، وهي مسؤولة أمام هذه الجماهير على أن تحقق السلام والاستقرار الاجتماعي، فإما أن تتحرك الآن وإما أن تزداد جرأة جماعات الفوضى على الاستمرار في مخططها لإسقاط كل ما تم بناؤه في المرحلة السابقة.