12 سبتمبر 2025
تسجيللكل إنسان أهدافه في الحياة، يستوي الناس في الأمنيات، ويختلفون في السعي والكد لبلوغ الأهداف، ومدى تجاوزهم للعقبات التي تحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم. لكن ليست كل العقبات تأتي من الوسط المحيط أو البيئة الحاضنة، فكثير من هذه العوائق تكون داخل الإنسان ذاته، يضعها هو لنفسه من خلال تصوراته السلبية. من هذه العوائق التي يضعها الإنسان لنفسه على طريق الوصول إلى الهدف، هو آفة التضخيم، ونقصد به أن يستكبر الإنسان الأهداف والإنجازات ويستثقلها، ويظن أنها أكبر من أن يحققها، ما يشعره بالضعف والعجز أمام الإنجاز، فيقلع عن التفكير في القيام بها. ومثل هذا التفكير يعبّر عن عدم إدراك صاحبه لسنن الله في خلقه، فهو سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وأحسن التوكل عليه، وكل الإنجازات العظيمة التي حققتها البشرية بدأت بأحلام، ظن الناس أنها من قبيل المستحيلات، ولكن مع جَلَد أصحابها وتحملهم وصبرهم، حققوا ما حلموا به. الأمر لا يحتاج إلى الكثير من العبقرية ليحقق الإنسان الأهداف والإنجازات، ولكن يحتاج إلى تصميم وعزم وإرادة صادقة، توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي الذي سجل 1093 براءة اختراع باسمه، لما سئل عن سر عبقريته، أجاب بأنه ليس عبقريا على الإطلاق، بل كانت درجاته الدراسية منخفضة للغاية، ولكن السر في تفوقه ونبوغه أنه يملك واحدا بالمائة من العبقرية وتسعة وتسعين في المائة من العرق والبذل والجهد والتصميم. وأعظم منه، رجل وحيد في الأربعين من عمره والعالم كله ضده ومع ذلك يقيم دولة تنتشر بين ربوع العالمين، وتغير وجه الكرة الأرضية إلى تاريخ الساعة، ويصنع أعظم أمة عرفها التاريخ، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تكفيه هذه المعجزة بيانا على صدق رسالته. ربما يقال: هذا رسول مؤيد من عند الله، وهذا صحيح لكن ما رأيك في شاب يبلغ العشرين من عمره تطارده دولة بأكملها، فيهرب منها، وحيدا طريدا يعبر المحيط الأطلنطي بمفرده، ثم يقيم دولة في بلاد غريبة، صارت منبرا في العلم والحضارة في كل ربوع الأرض، إنه عبد الرحمن بن معاوية الملقب بصقر قريش، الذي حكم أسس الدولة الأموية في الأندلس. خرج مع أخ له لم يتجاوز الثالثة عشرة، هربا من العباسيين، فما إن وصلا شاطئ الفرات حتى أحاطوا بهما، فألقيا بنفسيهما في النهر وجدَّا في السباحة. بلغ التعب من الصغير مبلغه، ففترت همته وخارت قواه، وانخدع بالواقفين على الشاطئ يعطونه الأمان ليعود، فرجع إليهم رغم استجداء أخيه، وما كاد يصل إلى الرمال، حتى رأى عبد الرحمن أخاه وهو يذبح أمام ناظريه. وفي أفريقيا ظل عبد الرحمن مطارَدا يتنقل من بلد إلى آخر، وراح يجمع أشتات بني قومه الهاربين، واتصل بعدد كبير من قبائل البربر، وطوال هذه الفترة كان يدرس أحوال الأندلس، وما إن رتب أوراقه ونظم صفوفه، حتى توجه إلى قرطبة حاضرة الأندلس، وأقام فيها دولة فتية امتدت حضارتها عبر القرون، وصارت منارة أضاءت للشرق والغرب، ومنبعا لحضارة أوروبا الحديثة. أخبار أولي العزائم الصلبة لا تنتهي قديمًا وحديثا، لكن الشاهد من ذكر بعضها، هو التأكيد على أن صعوبة الهدف لا يعني استحالة الوصول إليه، فليس هناك محال، إلا المقطوع بأنه محال، عدا ذلك يتطلب الهدف سعيا وجهدًا وترتيبًا للأفكار وتخطيطا جيدًا للحركة. إن المرء الذي يستثقل الأهداف ويقعده صعوبة الطريق، غفل عن قوة الإنسان الكامنة التي أودعها الله عز وجل الإنسان، هو نفسه الإنسان الذي يروض الوحوش، ويبني من صخر الجبال، ويشق الأرض ويرتاد السماء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.