28 أكتوبر 2025

تسجيل

بيع الوهم

29 ديسمبر 2017

انهيار النظام العربي واندلاق بعض الدول العربية الوازنة لإقامة تحالف مع إسرائيل هو الذي شجع القادة الإسرائيليين على التفكير في استكمال آخر حلقات المشروع الصهيوني الكولنيالي الإحلالي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ففي الأنباء أن حزب الليكود سيصوت يوم الأحد على قرار لضم الضفة الغربية وإطلاق مشروع استيطاني ضخم، كما أن حزب البيت اليهودي المتطرف قدم مشروع قرار للكنيست لمنع أي حكومة إسرائيلية من إجراء تفاوض على القدس إلا في حالة الحصول على موافقة 80 عضو كنيست وهو أمر يكاد يكون مستحيلا، بمعنى أن إسرائيل لن تفاوض على القدس. وسبق هذا كله قرار الرئيس ترامب باعتراف بلاده بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل والبدء بإجراءات نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. لا يحتاج الأمر أكثر من خلق "بعبع" لابتزاز الدول العربية الكبيرة التي تحاول لعب دور قيادي في المنطقة، وبالفعل بدأ الغرب وإسرائيل بشيطنة إيران دون أن يرافق هذا الشيطنة أي جهد حقيقي لكبح جماحها في وقت تمكنت فيه إيران من استغلال الظروف الإقليمية لتوسيع نفوذها. وأكثر من ذلك تبنى الرئيس أوباما فكرة تمكين إيران لعلها تصبح لاعبا مسؤولاً في الإقليم وهو أمر رفع من حدة إحساس السعوديين بمصدر الخطر المتمثل بالسياسة الإيرانية في الإقليم. وهنا لا أدافع عن إيران، فهي بالنهاية بلد توظف كل ما في وسعها لتحقيق أحلامها في أن تكون لاعبا إقليميا مهيمنا ولكي تحصل على اعتراف بها بهذه الصيغة، وعلاوة على ذلك قامت إيران بتطييف علاقاتها الخارجية ليس لأنها دولة طائفية بل لأن من شأن ذلك أن يوفر لها فضاء كبيرا للتاثير. والسؤال الأبرز هو لماذا لم تقم الولايات المتحدة – وهي قادرة – بتحجيم إيران؟ لماذا دق نتنياهو كل أصناف طبول الحرب دون أن يطلق رصاصة واحدة ضد إيران؟ فلو كانت إيران بحد ذاتها مشكلة كبيرة لأمكن الغرب وإسرائيل القضاء على هذا الخطر. وهنا تسلل عدد من المستشارين – الذين يدينون لواشنطن وربما لتل أبيب – لدولة بحجم السعودية ومكانتها وأقنعوها بأن طريق الخلاص من طهران يمر عبر تل أبيب، وابتلعت السعودية الطعم إذ انصب تفكير النخب السعودية المؤثرة على التحالف وبأي ثمن مع إسرائيل. وتحمس البعض السعودي عندما حاول خلق فراغ في لبنان لرفع الشرعية عن حزب الله حتى يتسنى لإسرائيل توجيه ضربة قاصمة لحزب الله. غير أن للجانب الإسرائيلي حسابات أوسع من ذلك ولا يمكن أن تقوم بعمل من هذا النوع دون أن تقبض الثمن سلفاً، من هنا جاءت زيارات جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي والمنحاز لإسرائيل إلى الرياض للتوصل إلى تفاهمات، لذلك يمكن فهم الرد السعودي الفاتر على قرار القدس عاصمة لإسرائيل. ولعل وزير خارجية البحرين هو الأصدق عندما عبرعما يجول في صدور وعقول هذه الشريحة من القادة عندما قال بأن القدس هي ثانوية، هي كذلك بالنسبة لهم والرجل كان صادقا. ووصل الاندلاق لأمريكا وإسرائيل حد استدعاء الرئيس عباس لحثه على الموافقة على "صفقة القرن" والتي بموجبها سيفرط الجانب الفلسطيني بكل ما قاتل من أجله في العقود السبعة الأخيرة! المشكلة بل الطامة  هي عندما تنظر بلد بحجم السعودية للقدس باعتبارها ورقة لا أكثر ولا أقل، حينها يمكن فهم التنمر الإسرائيلي واستعجال اليمين الإسرائيلي لإصدار تشريعات جديدة تضمن يهودية القدس خوفا من أن يتبدل المزاج وتضيع الفرصة. وتطمئن إسرائيل بأنه بوجود "عدو" يتحالف معها ضد إيران فهي لا تحتاج إلى أصدقاء.