13 سبتمبر 2025
تسجيلفي عالمنا العربي الوسيع صورة طبق الأصل لتعامل الناس مع الشرطة، وكان الله في عون الشرطة، فبلاغات (الحقونا) تمطر الأقسام من صياح الديك وحتى ساعة متأخرة من الليل، وتتنوع بلاغات (الحقونا)، فمن جرائم قتل إلى سطو وسرقات، إلى تزوير أختام واختلاسات، إلى شيكات بدون رصيد وسقوط منشآت، إلى ابتزاز بصور الحريم على الموبيلات، إلى سرقة الكلاوي و"العوينات"! بلاوي لا حصر لها في بلاغات! ولأن شعوب العالم العربي تعاني أمية غريبة في ثقافة البلاغات نركض على الأقسام ببلاغات غير مقطوعة ولا ممنوعة، ومفهومنا أن على الشرطة حل كل ما يعكرنا أو يكدر أمزجتنا أو يضايق حضراتنا.. آه مش هيه الشرطة!صحيح أن الديمقطراطية - التي نفهمها في الغالب خطأ -توفر لكل فرد الحق في دخول القسم للإبلاغ عن أمر ما ولا يحق للشرطة رده مديراً كان أو غفيراً، لكن من ماذا نشكو؟ المواضيع كثيرة، والمتوجهون للأقسام ليقولوا (الحقونا) لهم أسبابهم الوجيهة مثل "فلان هاوشني، فلان أخذ مركن سيارتي، فلان لف علي بسيارته، فلان ولاده يلعبون الكورة تحت شباكي وما عارف أنام، فلان مسكر على سيارتي، فلان بيوقف سيارته قدام بيتي، فلان يستعمل (الشنيور) في الليل وأزعجني، الجيران صوتهم عالي، فلان سرق مسطرتي"!لو جربت ودخلت قسم الشرطة لتتتبع بلاغاً من نوع (فلان طلعلي لسانه) ستكون فرصة لتعرف بوضوح إلى أي حد يتم إهدار الوقت، والجهد، وإشغال الشرطة بأمور غاية في التفاهة ويمكن جداً أن تُحل بشوية عقل، لكن يبدو أن حقنا القانوني الديمقراطي في الشكوى جعلنا نخطئ في تقدير المناسب وغير المناسب خاصة لو كانت بلاغاتنا كيدية نبغي بها مراداً نعرفه ونقصده وطبعاً يعرفه المحقق من أول كلمة، وبما أن صديقتي تستعد للذهاب إلى الشرطة لتقول (الحقونا) جارتي تحاول سرقة خدامتي بإغرائها بمرتب أكبر وجب أن نهتم بموضوع حيوي يقابل كثيرين منا اسمه (ثقافة البلاغات) وأعان الله السلطات. *** حكاية* لو رأيت أحدهم بالصدفة قد قتل آخر، وأنت الشاهد الوحيد بالمكان.. ماذا ستفعل؟ هل ستمر على الجثة ومسرح الجريمة قاصداً بيتك تتعشى وتنام؟ أم تبلغ السلطات فوراً؟ أم تحزن قليلاً ثم تتخطى الحزن مع الانشغال بحالك وأحوال عيالك؟ أسألك هذا السؤال لتزن ما حكته لي صديقتي التي قالت إن زوجها كان في إجازة عند أهله في قريته، ورأى واقعة غرز سكين في قلب ضحية وقد رواها لها برباطة جأش غريبة ثم طلب العشاء (أيوه له نفس ياكل عادي) لما تسمرت زوجته فاتحة فاها ذهولاً علا صوته مكرراً (بقولك حطي العشا) وصرخت (عشا إيه انته مش حتبلغ) وكان سؤالها كعقرب لدغه، قفز الرجل من مكانه إلى حيث تقف ووضع كفه على فمها صارخاً بها (هس) ولم يُنزل يده إلا بعد أن دفعته بكل ما فيها من قوة فأجلسها بالقوة وجلس إلى جوارها يقول لها (اسمعيني كويس.. بقولك ملناش دعوة، اللي يموت يموت في ستين داهية، احنا ناقصين روح، وتعالى، شفت إيه، مين شاهد على كلامك، شكل اللي قتل إيه، ويمكن ترسي على إني أنا اللي قتلته، وممكن جدا أشرف في التخشيبة، فهمتي يختي، استعقلت كلامه فسكتت وقد أصابها وجوم ثم نطقت وقد تحشرج صوتها بأربع كلمات (وتروح من ربنا فين)؟ ومازالت الست الطيبة تسأل حتى الآن حيروح من ربنا فين.. حد يرد عليها.. أما أنا فاستدعى كل أساتذتي في علم الاجتماع ليقولوا لنا ماذا حدث بدواخلنا، ولماذا توارى أجمل ما كان فينا. *** طبقات فوق الهمس* لو علم الناس الفرق بين من يدعون لهم، ويدعون عليهم لهاموا على وجوههم في الطرقات يقبلون رؤوس الخلق، ويطلبون المسامحة.* ينبغي أن تذكر دائماً أن (البادي أظلم) وان كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً.* قابل للكسر كل من استقوى على ضيف، أو صاحب حق أعزل مهما كانت مسوغات استقوائه.* قال بحزن مدو: لم يخذلني أحد أنا من خذلت نفسي حينما توقعت الوفاء ممن لا وفاء له، والصدق ممن لا مروءة عنده.* نعتذر عندما نخطئ في حق الناس، لكن حتى الاعتذار يفقد معناه وقد تأخر تماماً مثل قبلة اعتذار على جبين ميت.* أفدح مصاب ليس الحزن على حبيب مات وإنما الحزن على حبيب ميت حي.* أشح بوجهك، وقلبك، وروحك، وجسمك عن كل من يمتدحك حاضراً، ويسلخك غائباً لأنه باختصار كذاب.* من الحكمة يا لبيب ألا تفتح باباً يعوقك سده، وألا ترمي سهماً يعجزك رده.* إياك أن تتخاذل يا صديقي عن نصرة مظلوم، والأخذ بيد ضعيف فهذا أفضل كثيراً من خرس الشياطين.* الحب أجمل ما يمكن أن تهديه، ولا تعلو عليه هدية مهما غلت.* قد تحاول تلويث الناس بما تلقيه عليهم بيديك، لكن لاحظ أن ما تلقيه لا يصل إليهم أبداً، وتظل يدك وحدها المتسخة.* لو علم الكبار كم يستغل الصغار أسماءهم من خلف ظهورهم لتخويف الناس وتحقيق مآربهم لقاضوهم على ذلك.* كان هناك شيخ حكيم جالساً مع مجموعة من الرجال فطرح موضوع الزواج والنساء فقال أحدهم: المرأة كالحذاء يستطيع الرجل أن يغير ويبدل حتى يجد المقاس المناسب له، فنظر الحاضرون للحكيم وسألوه ما رأيك ياشيخ في هذا الكلام؟ فقال الحكيم ما يقوله الأخ صحيح تماماً، فالمرأة كالحذاء في نظر من يرى نفسه قدما، وهي كالتاج في نظر من يرى نفسه ملكا، فلا تلوموا المتحدث بل اعرفوا كيف ينظر المتحدث إلى نفسه.* "شكراً" قليلة جداً على من أدخل سروراً على قلب حزين.* اللهم سلمنا من دمعة تشكونا إليك، ومن شر من لا يخاف الوقوف بين يديك، ودعوة علينا ليس بينها وبينك حجاب.