04 نوفمبر 2025

تسجيل

الخرطوم.. سلاح النفط في وجه جوبا

29 ديسمبر 2012

خلال أقل من أسبوعين دشن السودان حقلين بتروليين، ليضيفا ما يقارب (20%) من إنتاج السودان الحالي عقب الانفصال البالغ (120) ألف برميل في اليوم، وكان الإنتاج قبل الانفصال حوالي (500) ألف برميل حيث كان إنتاج الجنوب يمثل حوالي (75%) من الإنتاج الكلي.. يبلغ إنتاج الحقل الأول (البرصاية)، حوالي (6) آلاف برميل يومياً في المرحلة الأولى والوصول إلى (30) ألف برميل يومياً كمرحلة ثانية، بينما يبلغ إنتاج الحقل الثاني حوالي (10) آلاف برميل.. هذان الحقلان تأمل الخرطوم في أن يكونا قوة (ردع) في إطار نزاعها مع الدولة الوليد في جنوب السودان.. وسبق لجوبا أن أوقفت تصدير نفطها عبر الأنبوب الذي يمر عبر أراضي السودان ليتم تصديره عبر ميناء بشائر على البحر الأحمر في أقصى شمال شرق السودان.. وقيل إن جوبا أرادت أن تحرم الخرطوم من رسوم عبور نفطها بيد أن موازنة العام الماضي (2012م) تم تعديلها مرتين بسبب الإرباك الذي سببه الإجراء الجنوبي بوقف تصدير النفط عبر الأراضي السودانية.. بذلك الإجراء هدفت جوبا إلى الضغط على الخرطوم اقتصاديا لتجبرها على تقديم تنازلات في القضايا العالقة خاصة قضايا الحدود التي من أبرزها الخلاف المعقد بين الجانبين في منطقة أبيي. الإعلان عن دخول حقول جديدة دائرة الإنتاج في السودان يبعث رسائل قوية إلى جوبا بأن (الكرت) الذي تستخدمه للضغط على السودان لن يكون ذا جدوى في المستقبل القريب.. وأعلنت الخرطوم أن إنشاء الحقلين تم بكوادر سودانية (100%)، وكلف الحقل الأول حوالي (70) مليون دولار، وفي ذلك إشارة إلى جوبا التي تعاني من مشكلة حقيقية في الكوادر المؤهلة ليس في قطاع النفط فحسب وإنما في سائر المجالات الحيوية.. يقول محمد صالح عثمان مدير مشروع حقل البرصاية إن الحقل اكتشف فيه البترول عام 2011م، وبدأت الدراسات للاستفادة من البترول المنتج وتم حفر (6) آبار مربوطة بخطوط نقل، كما توجد (3) محطات للضخ، وتم العمل في المنشآت البترولية خلال (9) شهور، وأشار إلى أن الأنابيب مصممة لنقل (60) ألف برميل يومياً.. يشار إلى أن اتفاق التعاون المشترك بين البلدين الذي وُقّع في نهاية سبتمبر الماضي بحضور الرئيسين عمر البشير وسلفا كير، يعاني من حالة جمود بسبب جدل (البيضة أم الدجاجة أولا)، فالخرطوم تصر على تسوية الملف الأمني باعتباره أولية بينما تصر جوبا على الملف الاقتصادي أولا والأولية بالتالي لاستئناف ضخ نفطها الذي تشكل عائداته (95%) من موارد خزينتها. لكن من يريد سبر غور طبيعة الصراع النفطي في المنطقة إجمالا؛ يجد أنه صراع الكبار في ملاعب الصغار، الولايات المتحدة الأمريكية والصين على نفط إفريقيا ويعنينا هنا نفط السودان جنوبه وشماله.. وعلى ما يبدو فإن ضغط واشنطن على بكين يتمدد إلى فضاءات عديدة في السياسة والإعلام عبر محاولات تأليب الدول الأخرى ضد سعي الصين لشراء حصة أكبر من نفط إفريقيا، هذا في الوقت الذي تعمل فيه العديد من وسائل إعلام المنظومة الغربية على خلق صورة ذهنية سالبة تصور الصين باعتبارها مستعمرا جديدا للدول الإفريقية.. ونجد بالفعل أن لتلك العمليات العسكرية أشكالا غير مباشرة وغير نمطية مثل حروب الوكالة؛ فالصراع المرير بين دولتي السودان وجنوب السودان حول النفط ليس ما يبرره، إلا أن تكون حربا يديرها الكبار من خلف الكواليس، وهي حرب تحكمها معادلات معقدة. فالمراقبون يشيرون إلى أسلوب الصين والولايات المتحدة في الحصول على النفط في العالم؛ ففي حين يقوم الأسلوب الصيني على الاتفاقيات الاقتصادية الندية التي تحفظ للدول كرامتها وسيادتها فإن الأسلوب الأمريكي قائم على افتعال الحروب لإفساح المجال أمام الشركات الأمريكية النفطية كي تعقد اتفاقيات استثمارية غالبا ما تكون مجحفة بحق الدول التي تفرض واشنطن عليها سيطرتها العسكرية والسياسية كما الحال مع العراق الذي احتلته وليبيا التي فرضت عليها تدخل حلف الناتو العسكري أو الخليج الذي تربط اقتصاداته بها عبر اتفاقيات غير منصفة. وفي حالة السودان وغيرها من النماذج نجد أن الصين والولايات المتحدة غير راغبتين البتة في مواجهة عسكرية مباشرة، فضلا عن أن الصين لا تقف خلف السودان مثلما تقف الولايات المتحدة مع جنوب السودان، بيد أن الخرطوم في إطار دفاعها عن مصالحها تقدم خدمة للصين، فلا خيار للخرطوم في حليف اقتصادي مثل الصين، بينما جوبا لها فرصة التحالف عسكريا واقتصاديا مع واشنطن فضلا عن فرصة التحالف اقتصاديا مع الصين نفسها، لأن المصلحة الاقتصادية للصين هي التي تحدد حلفاءها وليس شيئا آخر.. السودان وجنوب السودان نموذج ماثل للدول الإفريقية التي تنهك مواردها في حروب لا طائل منها.. الحرب المتطاولة بين الجانبين لها أسبابها ومسبباتها الداخلية والخارجية، أما آخر معركة بين البلدين في منطقة هجليج النفطية في يونيو الماضي وهي الأعنف؛ فقد تركزت بشكل أساسي على الجانب الاقتصادي متمثلا في حقول النفط ومكامنه، ورسوم تصديره. تاريخياً، وبعد توقيع اتفاقية أديس أبابا (1972م) في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، والتي أوقف الحرب بين شمال السودان وجنوبه حينا من الدهر، انفتح المجال للاستثمارات البترولية في السودان، وتولت المهمة شركة شفرون الأمريكية في العام 1974م. وقامت شفرون باستثمار مليار دولار أمريكي، وأكملت حفر 52 بئرا، منها 34 بئرا جاهزة تقريباً للتشغيل. وفي العام 1981م، أعلنت شيفرون اكتشافها حوض هجليج حيث يدور الصراع حوله بتقديرات مخزون تجاري من البترول في حدود 236 مليون برميل.. لكن في العام 1984م وبدون مبررات مقنعة أوقفت شيفرون أعمالها في السودان بعد عشرين عاماً من النشاط. وقيل إن السبب الحقيقي أن حسابات واشنطن استغلال نفط السودان بعد العام 2020م، ولا داعي لاستغلاله حينئذ طالما نفط الخليج يتدفق. لم يكن في تقديرات واشنطن أن تقوم شراكة إستراتيجية بين السودان والصين تربك حساباتها النفطية وترتيباتها لاستغلال مخزونات النفط العالمية وفقا لمصالحها وحسب.