18 سبتمبر 2025
تسجيلالقضية الفلسطينية هي أساس الأزمات في الشرق الأوسط حيث ترك المستعمرون الغربيون إسرائيل للوكالة عنهم عندما غادروا المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الثانية. نرى ذلك منذ وعد بلفور إلى إعلان دولة إسرائيل التي تربط بين ثلاث قارات وسبعة بحار في أهم مناطق العالم. لذا فإنه ليس من المستغرب أبدا أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل نقطة مهمة في جميع أنحاء العالم. فقد هاجر الصهاينة غزاة للأراضي الفلسطينية ودفعوا شعبها للموت أو الاستسلام. أما الشعب الفلسطيني فقد واصل المقاومة في الداخل والخارج. وبقدر ما لهذا الغزو من ظلم وعنصرية فهو قضية إنسانية وليس مجرد صراع عربي إسرائيلي أو صراع فلسطيني إسرائيلي. وبعد العديد من المفاوضات والاتفاقات في كامب ديفيد وأوسلو، لم تتصرف إسرائيل كجار عادي أبدا مع الجار الجديد. بل ظلت تتدخل في السياسات الداخلية له ممارسة سياسات ممنهجة هدامة. وفي الواقع فإن مهمتها الرئيسية تتلخص في إبقاء المنطقة مفككة مهترئة وفي حالة فوضى. أضف إلى ذلك أن تطبيع بعض الدول العربية معها لم يغير من الأمر الكثير. فبنيامين نتنياهو صاحب الأيديولوجية المتشددة والعنصرية سيطر على السياسة الإسرائيلية وحمل المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين المتطرف بدلاً من التصالح مع الفلسطينيين والعرب خلال الثلاثين عاماً الماضية. كما أفسد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الأمر بدعمه اللامتناهٍ لنتنياهو. في عام 2005 كانت اسرائيل قد انسحبت من غزة عسكريا وإداريا بعد أن فشلت في اخضاع أهلها. ولكن عندما فازت حماس بالانتخابات في غزة عام 2006، رفضت إسرائيل الاعتراف بالانتخابات وبدأت في تطبيق استراتيجية العقاب الجماعي عن طريق حصارها اقتصادياً وسياسياً. ولا ننسى في هذا السياق الإشارة إلى سفينة مافي مرمرة (مرمرة الزرقاء) التي أبحرت عام 2010 قاصدة غزة لكسر الحصار عن أهلها. في هذه الأثناء استطاعت حماس تطوير استراتيجية مقاومة دفاعية غير عادية كما تحولت غزة إلى سجن مفتوح يقصف بين الحين والآخر. كانت تلك التطوارات العسكرية في غزة ولازالت تزعج اسرائيل. واستمرت المناوشات بين الطرفين حتى هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس خارج غزة. لقد فاجأ هذا الهجوم الجميع، بما في ذلك حماس نفسها. كما أنه وعلى ما يبدو فإن النجاح غير المتوقع في اختراق الحواجز الحدودية أدى إلى عملية اختطاف عدد غير عادي من المستوطنين والجنود الإسرائيليين. هناك تقارير تفيد بأنه حتى سكان غزة العاديين خرجوا وألقوا القبض على المستوطنين الإسرائيليين بمجرد أن انتشر الخبر حول الفشل الذريع للمخابرات الإسرائيلية والمؤسسات الحكومية في مراقبة ومنع عمليات حماس. ولذا فإن هناك عدم وضوح بشأن عدد الأسرى الإسرائيليين في غزة. وبطبيعة الحال فإن القصف العشوائي المستمر على قطاع غزة منع حماس من التيقن من عدد الأسرى الحقيقيين المتواجدين داخل القطاع. بعد حوالي أكثر من 40 يومًا من القصف المستمر على غزة، لم تكن النتيجة مشرفة أبدا لإسرائيل ولا لرئيس وزرائها المتطرف نتنياهو خاصة بعد أن توصلت إسرائيل وحماس إلى وقف للحرب لمدة 4 أيام ومددت ليومين آخرين. فمنذ البداية وعد نتنياهو بعدم المساومة مع حماس لكنه اضطر إلى ذلك. كذلك فإن عمليته العسكرية لم تكن ناجحة إلى حد كبير، باستثناء قتل المدنيين في حين أطلقت حماس والمقاومة الصواريخ بشكل مستمر. أضف إلى ذلك أن القوة العسكرية لحماس قد نجت ولا زالت متماسكة. أما الجانب الأسوأ لإسرائيل فهو أن الدعم الذي تحظى به في الغرب أصبح يتضاءل يوما بعد يوم، حيث قتلت أعدادا كبيرة من المدنيين وتحول الرأي العام الغربي ضد إسرائيل في دول تعد حليفتها مثل الولايات المتحدة وفرنسا. إن إصرار حماس على توجيه الهجمات لإسرائيل ورفض مصر نقل سكان غزة إلى سيناء يعني الفشل (الهزيمة) لإسرائيل لأنها فشلت في القضاء على حماس في غزة. وفي نفس الوقت حصل الفلسطينيون على المكاسب المعنوية والأخلاقية على المستوى السياسي إذ أصبح العالم أجمع يتعاطف مع فلسطين وليس مع إسرائيل. وإدراكاً منها للأهمية الرمزية لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، تحاول إسرائيل منع الفلسطينيين من الاحتفال بعودة أحبائهم الأسرى من السجون الإسرائيلية. ونتيجة لذلك فقد تحول واجب المقاومة للفلسطينيين إلى احتفاء أخلاقي ومثابرة عسكرية. نهاية فإن المرحلة الأولى من الحرب على غزة قد وضعت اسرائيل في مأزق كبير وخاصة نتنياهو، ونصرا كبيراً للمقاومة الفلسطينية والمنطقة.