11 سبتمبر 2025
تسجيل"الجد عندنا تحول إلى هزل، والهزل عندنا تحول إلى جد".. لم نجد أنسب من هذه المقولة المعبرة - والتي هي من تأملات الشيخ محمد متولي الشعرواي العميقة - لنستهل به هذا المقال الذي نستعرض فيه بإيجاز صورتين متضادين تجسدان الظاهرة التي يشخصها الشيخ رحمه الله.. الصورة الأولى تتمثل فيما نشاهده عندنا من عقد مجالس وندوات حوارية لتحليل مباريات في كرة القدم تحليلا تفصيليا "جادا" عبر وسائط التواصل المباشر بين متخصصين وأهل خبرة في "اللعبة"، ولا يتطفل عليهم أحد في مجالسهم من غير المهتمين والمتابعين والمتخصصين وأهل الخبرة في "اللعبة" مع أنها "لعبة شعبية"!! وفي مقابل هذا "الجد" واحترام "التخصص" في التعاطي مع "اللعبة"، نلاحظ - في الصورة المضادة - ظاهرة الخوض في قضايا خطيرة جدا - مثل القضايا التي تتعلق بها مصائر شعوب ودماؤهم - خوضا هزليا؛ من حيث إنه خوض يفتقر إلى العلمية والمنهجية، ومن غير تحديد للهدف ولا تحديد للإطار المرجعي للأحكام ولا تحرير لمحل النزاع ولا ارتكاز على براهين ولا توثيق للمعلومات ولا احترام للتخصصات، وبطرق غير جادة وغير مثمرة - مثل استخدام وسائط التواصل الاجتماعي التقني - حيث إنها تفتقر إلى أركان الاتصال الفعال (الاستماع، الإنصات، التحاور، التفاعل البصري، التخاطب الجسدي...).. والأدهى والأمر في ظاهرة هذا الخوض الهزلي في تلك القضايا الخطيرة أنه يسوغ له في عصرنا تحت شعارات فضفاضة مضللة، من مثل شعار "حرية الاجتهاد"، وشعار "احترام الرأي والرأي المخالف"، رغم أن هذا الخوض وبهذه "الهزلية" ليس من الاجتهاد في شيء ولا يستحق أن يعتبر رأيا جديرا بالاحترام بل ولا يستحق أن يعد رأيا معتبرا ما دام بهذه الصورة "الهزلية".. فالاجتهاد لا بد فيه من بذل الوسع واستفراغ الطاقة في تحصيل الشيء الذي يحتاج تحصيله إلى بذل وسع.. والرأي المعتبر لابد أن يقوم على فهم الموضوع محل النظر فهما يتسق مع أدلته وبراهينه وأدواته.. وهذا وذاك لا يتأتى البتة بهذه الطريقة "الهزلية" من الخوض في مثل تلك القضايا الخطيرة.. ومن شأن هذه القضايا الخطيرة أنها لا تحتمل الهزل أبداً عند الأمم الجادة، بل إنها - لخطورتها - لو عرضت على سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه لحُق له أن يجمع لها أهل الشورى من كبار علماء الصحابة، كما كان شأنه وشأن سائر الخلفاء الراشدين إزاء القضايا المصيرية!! فيا قوم.. أما آن لنا أن نتوقف عن هذا الخوض "الهزلي" في القضايا الخطيرة وأن نتعاطى معها بجد لا يقل عن "الجد" اللافت للنظر في تحليل مباريات كرة القدم على أقل تقدير؟!!