14 سبتمبر 2025
تسجيللقد فهمت حماس أن العدو هو أحرص الناس على حياة وفهمت أن الوصول إلى قلب مدنه وتهديد حياته فيها وأن تجعل الصهاينة يتوقعون الموت من كل جانب وفي أية لحظة هو الذي سيفكك انتصارات هذا العدو وسيعيد الأمور إلى جوهرها وأولها، لذا أبدعت ذات يوم الأحزمة الناسفة التي تتنقل على خصر مجاهد استشهادي بين المحطات والحافلات والمقاهي والمكتظات.. ما أدى إلى أن يسجل أكثر من 270 ألف مغتصب صهيوني للهجرة إلى خارج الكيان الصهيوني.. ولما منعت هذه العمليات وضيق عليها وصار استمرارها يعني الدخول في حرب صراعية دموية مع إخوة في الوطن ارتضوا أن يكونوا في مواجهتها وأن يتسخروا لمنعها.. أوجدت حماس بل أبدعت البديل، وها هي صواريخها تحقق ذات الهدف ولكن دون مغامرة بالدم والوحدة الفلسطينية.. إن الذي حققته حماس والمقاومة الفلسطينية حتى الآن من إنجازات ومن صد العدوان على غزة وأن تصل صواريخها قلب تل أبيب والقدس الغربية وتطاول عشرات المستوطنات في الضفة التي طالما عاثت في البلاد والعباد إفسادا وقتلا وتخريبا، جعلت العدو يبحث عن تهدئة بعد 48 ساعة فقط من بداية العدوان، وجعلت باراك يقدم استقالته من كل العمل السياسي فاشلا خاسئا مخزيا، وجعلت نتنياهو وكما نقلت الصحف الصهيونية يفعل كما الخمسة ملايين صهيوني الذين فروا إلى الملاجئ كالفئران المذعورة، وجعلت أكثر من ألف مصنع صهيوني تتوقف عن العمل جنوب فلسطين وحدها.. هذا كله إبداع لا يملك منصف يحترم عقله وسامعيه وينتمي لهذه الأمة إلا أن يحترمه أيما احترام وأن يقدره أيما تقدير وأن يعجب به أيما إعجاب.. أقول: ولنتخيل كيف كان حال القضية الفلسطينية بل حال المنطقة كلها لو أن حماس قبلت التخلي عن المقاومة، ولو أن المنطقة ذهبت بالكامل إلى التسوية الفاشلة ثم لنكتشف بعد عشرين سنة من المفاوضات أن سبيل التسوية غير مجدٍ ثم لتبدأ من جديد تفكيرا استثنائيا لإيجاد المقاومة من عدم أو لبعثها من موات.. هل سيكون الأمر واقعيا؟ لا أظن! هذا ما فطنت له حماس وما فهمته باكرا قبل سياسيين ومفكرين ومنظرين ومحللين انخدعوا كثيرا بالتسوية وبالوعود الخيالية وظنوا أن الضوء في نهاية النفق وأنهم في الربع ساعة الأخيرة! أستطيع الجزم بأنه لولا الله تعالى أولا، ولولا وجود الإسلام في المعركة ثانيا، ثم لولا ما رزق الله تعالى حماس والحركة الإسلامية والمقاومة الباسلة من بصيرة وجرأة وفعل وجهاد لكان لنتنياهو وقادة " إسرائيل " أن يهنأوا بإنجازاتهم، ولكان قد تحقق الكثير من المشروع الصهيوني بكل تطرفه وإرهابه، ولكنا أقل مروءة وإحساسا بالمسؤولية تجاه شعبنا وأمتنا وإخواننا وبلداننا من نملة سليمان عليه السلام التي خافت على ربعها وعشيرتها من النمل، فبادرت تحذرهم وتنصرهم وتبعدهم عن الخطر.. قال تعالى: (حَتى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ). هذا ما فهمته حماس والجهاد وكتائب المجاهدين وهو الذي صنع الفرق، وهو ذاته الذي فهمته الأمة الإسلامية منذ واجهت أبا جهل وأبا لهب وكفار الجزيرة ثم الصليبيين والتتار بعد ذلك، ثم الاستعمار الأجنبي أوائل القرن الماضي.. وهو ذاته الذي تفهمه حماس اليوم.. وما يجب أن يفهمه من لا يزال يبخل بإطلاق مجرد إدانة لما يقوم به العدو، ومن لا يزال يرفع علم الكيان الصهيوني على عاصمته ويحتفظ حتى الآن بعلاقات رسمية معه، ولا يزال يتلكأ في الاعتراف بفشل عملية التسوية وبضرورة رد وردع العدو.. مخطئ بل خاطئ من يظن أن العدو وهو يقوم بتدمير غزة على مرأى ومسمع مئات الملايين من الأمة يستهدف غزة وحدها أو الفلسطينيين وحدهم.. الحقيقة أن العدو إذ يفعل ذلك فإنما يهين ويتعدى ويتحدى كل الأمة، ويستهين بما يمكن أن تقوله أو تفعله في الرد عليه.. وإنما يحتقر ما يجمع هذه الأمة من روابط الإخوة ووشائج الولاء والقرابة.. وأقول: جميل أن نفرح بإنجازات المقاومة وأجمل منه أن نبتهج بوصول صواريخها لقلب الكيان.. لكن ؛ هل هذا كل ما علينا أن نقدمه للمقاومة؟ وإلى متى ستظل المقاومة وحدها في الميدان؟ وإلى متى سيظل هذا الشعب العظيم يعدد شهداءه ويبدد الموازنات لتعويض الأضرار؟ وهل نحن محترمون إن كنا نقبل بذلك؟ وهل ننتمي للأمة التي وصفها الله تعالى بقوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقوله (وكذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى الناسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، وقوله (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)، وقوله (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وقوله (هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، وقوله (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)؟ آخر القول: لقد فعلت حماس ما عليها ولا أظن أحدا يطالبها بأزيد مما قدمت وتقدم، وإذ هي تعوض ما نقصه الناقصون وتحمي ما تخلى عنه الكثيرون، وإذ هي تؤدي أداء عجزت عنه جيوش جرارة.. وإن في الأمة اليوم " حماسات " – جمع حماس - وثورات وتغيرات وجبهة مقاومة ممتدة في طول بلاد العرب والمسلمين وعرضها، وهي إنما تقيم الحجة الدينية على كل المنافقين، والحجة الوطنية على كل الخائنين، والحجة الأخلاقية على كل المنحرفين والمتواطئين.. وهي إذ تفعل ما عليها فإنه لم يعد مقبولا ولا جائزا أن تظل الأمة معطلة جامدة أمام وهم أن الفعل العسكري مغامرة قاتلة لا يجوز التفكير فيها.