14 سبتمبر 2025

تسجيل

جوانب مضيئة في الفكر الاقتصادي للأمير الأب

29 أكتوبر 2016

رحم الله الأمير الأب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته... فقد كان رجل دولة من طراز فريد. وقد أسعدني الحظ بأن عملت في دولة قطر منذ السنة الأولى لتسلمه مقاليد الحكم في قطر عام 1972. وعلى مدى سنوات حكمه التي امتدت نحو 23 عامًا، تجلت لي جوانب مضيئة في فكره الاقتصادي تمثلت في حرصه على تحقيق تنويع منضبط للدخل مع العمل على تعظيم الاستفادة من الكوادر القطرية، وعدم التوسع في الإنفاق إلا بقدر ما هو متاح من إيرادات. وعلى الصعيد الإقليمي، كانت له بصمة واضحة في العمل الخليجي المشترك الذي أفضى إلى إقامة مجلس التعاون الخليجي. وأعرض فيما يلي لأهم الجوانب المشار إليها: 1-منذ تولى سموه مقاليد الحكم في قطر، حدد أهداف حكومته بالعمل على تنويع مصادر الدخل، فأنشأ المركز الفني للتنمية الصناعية لوضع الخطط اللازمة لإقامة عدد من المجمعات الصناعية، بهدف الاستفادة من الغاز المصاحب للنفط الذي يتم حرقه، وتأسست مصانع البتروكيماويات والحديد والصلب، وتم إضافة مصانع أخرى لشركة الأسمدة الكيماوية.2- ومنذ سنوات حكمه الأولى، أبدى سموه اهتمامًا خاصًا بإيجاد فرص عمل للقطريين في كافة المجالات، وكان دائم السؤال عن الخريجين القطريين، ويطلب باستمرار قوائم بأسماء الخريجين حسب تخصصاتهم، والأماكن التي تم تعيينهم بها. ومع النمو المضطرد في الجهاز الحكومي، أمر سموه عام 1977 بتشكيل لجنة تقطير الوظائف برئاسة الأستاذ عبد العزيز بن تركي وكيل وزارة التربية والتعليم آنذاك. وقد انتدبتني اللجنة لعمل تقرير عن وضع العمالة في القطاع الحكومي والقطاع العام. ووجدت آنذاك أن الطلب على الوظائف ينمو سنويًا بمعدل 14% سنويًا بينما تنمو تدفقات القطريين من النظام التعليمي إلى سوق العمل بما لا تزيد نسبته عن 3% سنويًا، مما كان يخلق فجوة كبيرة يتم مواجهتها بالاعتماد المستمر على الخارج. وقد أظهر تقرير اللجنة ضرورة إنشاء جهاز للإحصاء في قطر، وتم انتدابي للعمل مع اثنين من الخبراء الأمريكان لإنشاء الجهاز المركزي للإحصاء في عام 1978. 3- كان سموه أول من أطلق دعوة لإقامة سوق خليجية مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة، وكان لابد من وضع تصور للأسس التي تقوم عليها السوق المقترحة، فتم تكليفي مع الأستاذ إلياس بارودي بإعداد دراسة حول هذا الموضوع، وتم إنجاز الدراسة ورفعها إلى سمو الأمير الأب في يوليو 1979، أي قبل نحو عامين من قيام مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981. 4- بعد فورة أسعار النفط الأولى التي وصلت ذروتها في عام 1981، دخلت الأسعار منذ العام 1983 فترة من التراجع الملحوظ، وصل مداه في عام 1986، عندما هبط سعر البرميل إلى أقل من 10 دولارات، قبل أن يستقر في السنوات التالية عند 13 دولارًا للبرميل في المتوسط. وكان إنتاج قطر من النفط يزيد قليلًا على 400 ألف ب/ي، ولم يكن مشروع غاز حقل الشمال قد بدأ تنفيذه بعد. وقد وجد سمو الأمير أن الإيرادات قد تقلصت بشدة، في الوقت الذي زاد فيه الإنفاق العام بسبب التوسع في الخدمات الحكومية من ناحية وإقامة المشروعات من ناحية أخرى. وكان سموه يُدرك أن الزيادة السكانية المضطردة تضغط على المرافق المختلفة، وتستدعي إقامة مرافق جديدة بين سنة وأخرى، خاصة في مجالي الكهرباء وتحلية المياه، والتعليم العام، مما يستنزف ما تم ادخاره في سنوات سابقة.أ-ففي مجال التعليم، كان لدى وزارة التربية في عام 1989 خطة عشرية جديدة لبناء المزيد من المدارس، وكان من الصعب تنفيذ تلك الخطة في وقت تراجعت فيه الإيرادات العامة بشدة، فوجه سموه باتخاذ ما يلزم للتوسع في التعليم الخاص، لاستيعاب أبناء العاملين في القطاع الخاص. ب-وفي مجال الكهرباء وتحلية المياه، وجد سموه أنه رغم نجاح الدولة في إنهاء أزمات الانقطاع الدوري للتيار بعد إقامة سلسلة محطات أبوفنطاس، فإن الزيادة السكانية باتت تضغط من جديد، من أجل إقامة المزيد من المحطات. وقد قمت في عام 1989 بإعداد دراسة عن واقع ومستقبل إنتاج واستهلاك الكهرباء في قطر، وتبين من الدراسة أن بالإمكان اتخاذ بعض التدابير المؤقتة التي تغني عن إقامة محطات جديدة لفترة من الزمن. وكان من بينها ضبط التوسع في القطاع الحكومي، وبدء التفكير آنذاك في مراجعة نظام رسوم الاستهلاك لترشيد الاستهلاك.