29 أكتوبر 2025

تسجيل

الاقتصاديات الخليجية.. ومواجهة انخفاض أسعار النفط

29 أكتوبر 2014

يشكل التراجع الأخير في أسعار النفط إشكالية أمام معظم الدول النفطية ومنها دول الخليج العربي، وهل هي قادرة على مواجهة التداعيات المترتبة على ذلك في ظل النظرة المتشائمة للاقتصاد العالمي في المستقبل القريب، وزيادة المعروض في سوق النفط، وعدم القدرة السريعة على كبح تراجع الأسعار، مع انخفاض الطلب، والتوقعات السلبية لنمو الاقتصاد العالمي، والحديث عن قيام منظمة الدول المصدرة للنفط بمناقشة خفض الإنتاج لدعم الأسعار، وإن كان من غير المتوقع أن يؤثر هبوط أسعار النفط العالمية على خطط الإنفاق للدول المنتجة للخام في منطقة الشرق الأوسط في الأجل القصير، نتيجة للاحتياطيات المالية الكبيرة التي تمتلكها الدول النفطية، ولاسيَّما أن الفوائض المالية التي حققتها دول مجلس التعاون في السنوات الماضية، تمنحها المرونة والقدرة على المواجهة والصمود لفترات متفاوتة تبعا لقدرة كل دولة، ومدى مراعاة سياساتها المالية للتغيرات المتوقعة في أسعار النفط، حتى تمتص التأثيرات السلبية على خططها الاستثمارية ومشروعاتها التنموية، خاصة إذا كانت العائدات النفطية تمثل جزءا كبيرا وأساسيا من دخلها القومي، حيث تشير الإحصاءات والتقارير الاقتصادية إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، بها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، حيث تنتج السعودية 17 مليون برميل من النفط يوميًا وتصدر منها ما بين 12 و13 مليون برميل، وتحصل هذه الدول على %90 من إيراداتها العامة من عائدات النفط، واستطاعت أن تكون احتياطيات مالية قوية، بما يسمح لها بالتعامل مع الأسعار المنخفضة، بعد أن احتسبت ميزانيتها على أساس سعر 80 دولارًا للبرميل أو أقل من ذلك، ونجحت كذلك وفق إحصاءات صندوق النقد الدولي في أن ترفع إراداتها النفطية، من 366 مليار دولار في 2009 إلى 729 مليار دولار في العام الماضي 2013، ومن ثم قد لا تكون هناك تأثيرات عميقة نتيجة انخفاض أسعار النفط على المدى القصير، في ظل القدرة على مواجهة الضغوطات التي تمارس من أجل خفض الإنتاج للمحافظة على مستوى مناسب للأسعار، تحسبا من أن يؤدي ذلك إلى خسارة حصتها من السوق، وهذا لا يمنع من ظهور حالة من الهلع والخوف بين أوساط الدول المصدرة للنفط، خاصة التي لم تتمكن حتى الآن من تنويع مصادر الدخل، وما زالت تعتمد في مواردها المالية على مبيعاتها النفطية التي تعد مصدراً أساسياً ووحيداً للدخل، لأن انخفاض الأسعار سيؤثر على ميزانية هذه الدول وخططها التنموية، التي كثيرا ما تتأثر عندما تتعرض الأسعار للتذبذب بين الحين والآخر نتيجة للأوضاع الاقتصادية العالمية، أو العوامل الجيوسياسية ومعدلات النمو الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى، وستظل المخاوف والقلق من استمرار هبوط أسعار النفط، إذا فشلت أوبك في اتخاذ تدابير لكبح تدهور الأسعار وتتنافس الدول بعضها مع بعض في ضخ المزيد من النفط للحفاظ على حصصها في السوق، وسط ضعف الطلب ووفرة الإمدادات ونجاح برنامج الولايات المتحدة لزيادة إنتاجها للنفط بنسبة %70 منذ عام 2008، في إطار المحاولات المستمرة للاستغناء عن النفط العربي، ولكن من الأمور المطمئنة أن صندوق النقد الدولي اعتبر أن دول الخليج قادرة على الاستمرار في برامجها الإنفاقية على المدى القصير، وأن دولة مثل السعودية تملك ما يكفي من التحوطات المالية للاستمرار في مستوى الإنفاق الحالي لمدة ثلاث سنوات، إلا أن المخاوف قد تنشأ من أن الأسعار الحالية قريبة من السعر المرجعي، الذي تعتمده دول الخليج لاحتساب ميزانياتها، وبالتالي فإن أي انخفاض إضافي سيضع هذه الدول في دائرة العجز، وخاصة إذا كانت هناك توقعات قائمة بانخفاض الأسعار إلى مستوى 70 دولارًا للبرميل، وهي مستويات إذا تحققت ستلحق أضرارا أكبر بالدول المنتجة للنفط حتى من خارج مجلس التعاون الخليجي، لاسيَّما روسيا وإيران، وأنه إذا لم يتم الاتفاق على آلية سريعة لتخفيض الإنتاج فقد يستمر انخفاض الأسعار، خاصة إذا استمر تهريب نفط كردستان العراق بواسطة داعش، وبيعه عن طريق تركيا بأسعار بخسة، وكذلك إذا لم تتسبب الصراعات والأحداث الجيوسياسية في المنطقة في كل من ليبيا وإيران والعراق، وكذلك في أوكرانيا وروسيا في أن تقفز الأسعار للأعلى مرة أخرى، خاصة مع حلول موسم الشتاء.