18 سبتمبر 2025

تسجيل

"ما فيش إعلام لوجه الله"؟!

29 أكتوبر 2011

انتهى نظام معمر القذافي في ليبيا، لكن بقيت صورة (مؤلمة) بل (بشعة) يتردد صداها وتسترجعها عقولنا المنهكة بشكل متكرر.. صورة جعلت المجلس الانتقالي الذي يتولى السلطة اليوم في ليبيا يعلن تحت (ضغط) تلك الصورة عن أن تحقيقا سيجرى عن الكيفية التي قتل بها القذافي.. تلك الصورة حيث كان الرجل مضرج بدمائه بعد أن نالت منه طلقات الثوار ما نالت كرست في أذهان الغرب تلك الصورة التي يريدها عن الأمة العربية وربما الإسلامية.. المجلس الانتقالي قال باسم المتحدث باسمه إن القذافي اعتقل سليما (أي أصبح في حكم الأسير)، ثم من بعد ذلك أصيب في ذراعه ثم في رأسه!!. جرائم القذافي ونظامه عظيمة وبشعة، بيد أن الثوار جاءوا ليؤسسوا لنظام جديد يقوم على قيم الإنسانية والعدل والحرية.. معظم الدراسات والأبحاث العلمية أشارت إلى الصورة المشوهة للعرب في الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص.. على سبيل المثال يظن الرأي العام الأمريكي أن هناك دولة عربية واحدة، وأن كل العرب بدو يسكنون الصحراء ويتزوجون بأربع نساء. يقول محمد حسنين هيكل وهو بلا شك مرجعية إعلامية: "ما فيش إعلام لوجه الله"، وهذا يفسر الكثير ما يقوم به الإعلام الغربي تجاهنا، ويفسر بشكل أكثر تحديدا قيام قنوات أجنبية ناطقة باللغة العربية وموجهة إلى المنطقة العربية؛ فهو من ناحية يكرس لصورة نمطية مكروهة لدى الغربيين ومن ناحية أخرى يريد من العرب المكروهين لديه أن يحبوه وتكون صورته لديهم إيجابية!!. يقول ديفيد بولوك وهو دبلوماسي أمريكي سابق وأستاذ زائر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "لا نستطيع أن نقلب الصورة ونجعل أمريكا محبوبة، هناك خلافات حقيقية، ولن يمكن لأي قدر من البرامج الذكية أن تغير هذا الوضع"، والرجل يتحدث عن قناة الحرة الأمريكية باعتبارها فشلت في تحقيق الهدف الذي أنشأت من أجله.. لقد أخذ المجهود الإعلامي الأمريكي نحو الجماهير العربية بالتطور والتبلور بشكل لافت للانتباه، وبصورة تتماشى مع تصاعد المجهود الحربي الأمريكي في المنطقة. وأصبح بالإمكان توفير مخصصات مالية سخية من الكونجرس لصالح برامج الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية الأمريكية. واختير اسم "الحرة" لقناة فضائية جديدة وهو اسم بديع، يبدو أنه امتداد للإعلام الأمريكي الموجّه كإذاعة أوروبا الحرة، وراديو الحرية التي وجّهت إبان الحرب الباردة نحو الكتلة الاشتراكية.. تقول الدكتورة وداد البرغوثي من فلسطين المحتلة في ورقة قدمتها الأسبوع الماضي في مؤتمر الإعلام والتحولات المجتمعية الذي عقد بالأردن وكان لنا شرف المشاركة فيه: (تلجأ قناة الحرة إلى انتقائية مواضيع تخدم فلسفتها وهي الترويج لنمط الحياة الأمريكي، فالمواضيع يتم اختيارها من الزوايا المعتمة في الدول العربية. من ناحية ثانية تلجأ إلى انتقائية الضيوف؛ فالضيوف في أغلبهم موجودون في الخارج إما في الولايات المتحدة أو في بريطانيا، ممن يستعدون لمناقشة الظاهرة دون أن يناقشوا أسبابها، وممن هم جاهزون للدفاع عن الغرب).. تناقش القناة ومن الزاوية المعتمة قضايا مثل: اعتقالات في الإمارات، وعملية اختطاف في عمان، والشعوذة وضرب الودع في السودان والدعارة في المغرب وحياة الليل في لبنان واللقطاء في موريتانيا، والدجل والشعوذة في مصر، الختان والمعاشرة دون عقد زواج في اليمن، والرياضة النسائية المحرمة في السعودية. وغير ذلك من الظواهر الموجودة في هذا البلد العربي أو ذاك.. تقول البرغوثي أيضا: (تطرح قناة الحرة ما يمكن أن يقال عنه حق أريد به باطل، فهل هذه الظواهر تخص المنطقة العربية فقط؟ وهل المنطقة العربية لا يوجد فيها إلا هذه الصورة السلبية؟ فمن يرى هذا البرنامج يجد نفسه أمام عالم عربي متخلف مشعوذ جاهل.. إلخ من السمات السلبية. بالمقابل نجد الحرة تلقي الضوء على الجوانب الإيجابية في الولايات المتحدة. بمعنى آخر تسلط الضوء على الزوايا الأكثر إظلاما في الدول العربية وبالمقابل تسلط الضوء على الزوايا الأكثر إشراقا في الولايات المتحدة). قضايا جسام وتحديات عظيمة تنتظر تصديا إيجابيا من إعلام عربي مسؤول.. اليد الواحدة لا تصفق مثل عربي قد ينطبق على قناة الجزيرة التي يبدو أنها غرقت وسط طوفان تلك التحديات في (ربيع الثورات العربية) نحتاج إلى عشرات القنوات على شاكلة قناة الجزيرة، قنوات ذات أهداف قومية ورسالة واضحة.. تقول الدكتورة ألفة لملوم المحاضرة في جامعة باريس العاشرة في كتابها (الجزيرة المرأة الثائرة والغامضة في العالم العربي): "إن الجزيرة أصبحت الحزب السّياسي الأكثر شعبيةً وشفافيةً لدى جماهير المنطقة وخارجها في بلدان المهجر مستقطبة بذلك أكثر من 50 مليونا لبرامجها". مضيفة "أن قناة الجزيرة قد احتلت مركزاً إعلامياً رئيسياً بين المحطات العربية منها والدولية. ويقول محمد حسنين هيكل "لا أظن أن أحدا يختلف على حقيقة أن شبكة الجزيرة هي العنوان الأكبر في مجال الإعلام العربي هذه اللحظة من الزمان العالمي". ويرى هيكل أن "تفرّد" الجزيرة بسبب أن "الرؤية حلت مكان محل القوة دون حاجة إلى سيادة دولة وسلطتها، أو هوية وطن وسياسته.