12 سبتمبر 2025

تسجيل

آخر القول.. "ناهض حتر" سقط ضحية تطرفين!

29 سبتمبر 2016

بعيدا عن التجاذبات والتباينات حول مقتل الكاتب الأردني "ناهض حتر" على سلم قصر العدل في عمان بالأردن – الأحد الماضي- فإن هذا الحدث ليس عاديا، فلم يسجل في تاريخ الأردن مثيل له؛ نعم حدثت اغتيالات سياسية ولكنها كانت لدبلوماسيين ورسميين أردنيين وغير أردنيين على أرض الأردن وخارجها، ولكنها لم تكن لمفكرين أو كتّاب أو رسامين أو إعلاميين.بعض من هيجهم الرسم الذي نقله القتيل إلى صفحته واعتبروه ازدراء للذات الإلهية كتبوا أو عرّضوا بما يشعر برضاهم وربما تشفيهم بما وقع له؛ وأراه خطأ جسيما لا يمكن تمريره أو تبريره.وبعيدا عن رأيي في "حتر" وإدانتي لفعله الفادح الذي أتى به وتأييده للقاتل بشار أو سواه، ودون أن أقف في جهة المدافعين عنه أو المتلمّسين عذرا له فلابد من التأكيد على أن مواقف القتيل الفكرية والسياسية أو كونه على ملّة النصارى أو انتمائه للفكر اليساري أو مهاجمته للإسلاميين.. كل ذلك لا يبرر ولا يقبل دينيا أو قضائيا كمسوغ لقتله؛ وغاية ما يؤخذ عليه هنا هو الازدواجية في النظر لجرائم من يواليهم ومن يعاديهم.وأما الرسم الكاريكاتيري الذي نقله واعتبر ازدراء للذات الإلهية فإنه - ورغم جرائميته الدينية والعرفية - من منظورنا الإسلامي فإنها لا تبرر قتله من زاويتين؛ الأولى: أن ملته – النصرانية - تجوّز له رسم الذات الإلهية خلافا لما نحن - المسلمين – عليه ؛ وهذه كنائسهم تتحدث عن ذلك، ولا نطالبهم بالامتناع عنه فلا وجه لقتله أو قتلهم عليه، الثانية: أن مقصده من الرسم – كما أفاد – هو إدانة ما يعتقده المتطرفون "الداعشيون" في حق الله تعالى وتنزيهه عن عقيدتهم الشائهة وتطبيقاتها السلوكية الخاطئة، وهذا تأويل لا وجه لرفضه خاصة أن الرسم يحتمله كما تحتمله ثقافة الرجل وكتاباته.وبصرف النظر عن حجم الخطأ في نيته ومقصده أو في فعله وموقفه فإن نشره لذلك الرسم قد كان خطأ جليا ؛ ويظل السؤال: هل نقله للرسم يستوجب قتله؟ وإن كان كذلك فمن ينفذ فيه الحكم؟ وأقول: بمنطق الدين ذاته قبل أي منطق؛ ليس من حق مواطن – أيا كانت غيرته أو إخلاصه - أن يعاقب الناس أو يقتلهم أو يتسلّم تنفيذ القانون بنفسه دون تفويض من الأمة ونائبها - السلطان - الذي يقيم الحكام والقضاة ويكسب أحكامهم صفة العمومية والشرعية.وحتى القضاء عندما ينظر قضية من هذا النوع – قضية تكفير – فإن عليه بمنطق العدل أن يسلك مسارا كاملا من المحاذير والتحقيقات يحتاط بها في تنزيل الأحكام على المتقاضين؛ فالحكم بالكفر على كلمة أو فعل أو تصرف لا يستلزم بالضرورة تنزيل حكم الكفر على شخص معيّن قالها أو قام به ثم محاسبته عليه، فالمجنون مثلا لا يكفر إن نطق بكلمة الكفر لأنه معذور بالجنون وكذا المكره والمدهوش.أما الذين أظهروا الشماتة بمقتل – حتّر – فأذكرهم بأنه لا شماتة في مظلوم، وأن القتل أدعى للقتل وأمهد لاستشراء الدم بالدم والشر بالشر، وأنه إن قتل اليوم رجل مخالف لهم فلا ضمانة أن لا يقتل غدا مؤيد حميم لهم يترصده مخالف ما في مكان ما.ثم أليس هذا الاغتيال مصادما لاتجاهات المطالبة بإعلاء لغة الحوار السياسي وتوسيع الحريات العامة والصحفية، فكيف يمكن الجمع بين المطالبة بإعلاء سقف الحريات وقتل من يستفيد منها! وأما من يتهمون التيار الإسلامي كله باغتيال الرجل ويريدون تحميل المسؤولية على كل من انتقدوا الرسم أو تظاهروا ضد الإفراج عن المقتول فلا أراهم إلا يحاولون توظيف الحدث لإرهاب الخصوم وتسكيت المخالفين بطريقة هي غاية في الإهانة والاستغلال والمقت والإفلاس، ولا أراهم إلا يستهدفون الفسح الدستورية لتخفيض سقف الحريات وتمييع القضية، بقدر ما هم يغامرون بحالة التوافق الوطني التي يقوم عليها استقرار بلد في قلب منطقة ملتهبة.آخر القول: لا شك أن "حتر" سقط ضحية التطرف؛ وهما تطرفان لا تطرف واحد؛ تطرف كان هو يحمله ويستعدى به الخصوم، وتطرف نقيضا له وصار ضحيته، وعليه فلا يجوز أن تقوم المعالجة على تطرف ثالث يقوم على الإقصاء أو التضييق على الحريات.